الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠)
قوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) بيّن سبحانه مراتب علوم الإلهية على ثلاثة أقسام : استأثر قسما لنفسه ، وقسما لرسوله ، وقسما لأوليائه ، فما استأثر لنفسه ، فهو العلم القديم ، وإحاطة نظره القديم على كلّ محدث ، ولا تخفى عليه الضمائر ، وما يجري في السرائر علما ورؤية بغير علّة الاكتساب.
ثم استأثر الأنبياء بنور منه يرون به ، فترى قلوبهم به أعمال الخلائق عيانا وبيانا ، وذلك نور الذات ، واستأثر أولياءه بسنا منه ، فيرى به أعمال الخلائق في الخلوات ، وما في قلوبهم من المغيّبات بالفراسات الصادقة ، ذلك نور الصفات ، وفيه تخويف المخلصين والصادقين الذين يتعرض لقلوبهم النعوس ، والشياطين بالهواجس والوساوس في أوقات الفترة ؛ حتى يراقبوا أسرارهم ، ويراعوا أوقاتهم بتقديس القلوب من الخطرات.
قال أبو حفص أو أبو عثمان : اعمل ، وأصلح العمل ، وأخلص النيّة ، فإنّ الله يرى سرّك وضميرك ، والرسول يراه رؤية مشاهدة ، والمؤمنون يرونه رؤية فراسة وتوسم ، قال الله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر : ٧٥].
قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) : بيّن الله سبحانه أنّ تأسيس كلّ عبادة لا يكون إلا بالتقوى ، والتقوى بظهور الأسرار عن النظر إلى الأغيار ، وكلّ موضع يتضرّر فيه ، ونيران التقوى تحرق جميع الأوصاف النفسانية والشيطانية من الشرك والشك والرياء والنفاق والسمعة ، ولا يبقى هناك إلا صفاء السرّ وطهارة الضمير ، وخلوص النيّة ، وصفاء القلب ، وتجريد ذكر الله عن ذكر مخلوق.
وإذا كان كذلك تكون العبادة والإرادة ، تبلغ الإيمان والإيقان إلى درجة العرفان ،