وقيل في قوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) (١) أي : ادع لهم ، فإنّ دعاءك لهم يكون سكونا إلى الاخرة ، وانقطاعا عن الدنيا.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) إنّ الله سبحانه عرّف الخلق كرمه القديم ، وفضله العميم يعطي الكثير ، ويقبل القليل ، ويرى من عبده كثير السيّئات ، ويبدّلها له بالحسنات.
أي : يقبل توبة الاسف على ما فاته من قربة في زمان الطاعة ، ويأخذ صدقة الموقن بجزائه بكشف المشاهدة.
قال النصر آبادي : فرق بين القبول والأخذ ؛ لأنّه قد يقبل ثم يأخذ ، ولا يأخذ إلا عن قبول ، فالأخذ أتمّ وأعمّ.
وقال أيضا : أخذ الصدقة أجلّ من قبول التوبة ؛ لذلك تقع فيه التربية ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله يأخذها فيربها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيلة ..» (٢) الحديث.
وعند عبده وخادمه ـ والله أعلم ـ أن القبول أتمّ من الأخذ ؛ لأنه ربما يأخذ ، ولا يليق بنفسه وتعطى إلى غيره ، ولا يقبل بطيب نفسه منه ، بل يأخذ بطيب قلب المعطي ، فإذا قبل لطيب نفسه يأخذ لنفسه ، ولا يعطي إلى غيره.
وأيضا : يرى أن قبول التوبة أعظم من قبول الصدقة ؛ لأنّ الصدقة شيء لا يتعلّق بوجود التائب ، وما جرى على التائب من المعصية كراهية عند الله ، لأجل منازعته ومخالفته وذلك يتعلّق بالجبروت ، فإذا ندم وخضع وخجل بين يدي الله ، يصير خارجا من صورة المنازعة ، وخاضعا للربوبيّة ، فما كان في نفسه من الإيمان واليقين والندم والخجل ، أعظم من جميع الكون عند الله.
إن كان صدقة منه ، فإنّه يعظّم الله ويصدقه ، وينزّهه بفنائه في عظمته ، وهذا عمل القلب والصدقة وما سواهما عمل الجوارح ، وأين عمل الجوارح عند عمل القلب؟
وذكر الله أعظم من جميع الصدقات وجميع المعاملات ، فإنّه ذكر ذاته وصفاته ، قال : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت : ٤٥] ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «حمد الحامد أعظم مما أعطي له من النعمة».
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ
__________________
(١) قال القشيري (٣ / ١٦٢) : إن تعاشرهم بهمّتك معهم أثمن لهم من استقلالهم بأموالهم.
(٢) رواه البخاري (٢ / ٥١١) ، ومسلم (٢ / ٧٠٢).