الوصلة ، ثمّ مسّهم طوارق الفرقة ، امتحانا من اللطف والقهر ؛ كي يعرفوا الحقّ بمعرفة قهره ولطفه ، وذلك معني قوله تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) ، فإذا بلغوا إلى محلّ الاستقامة ، رفعت عنهم نوائب الامتحان ، وسكنوا في مشاهدة الرحمن ، وهذا قوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قال بعضهم : صفة النادمين والمعرضين عن الذنوب ، والناوين للتوبة هي : الاعتراف بما سبق منهم ، وكثرة الندم على ذلك ، والاستغفار فيه ، ونسيان الطاعات ، وذكر المعاصي على الدوام ، والابتهال إلى الله بصحّة الافتقار ؛ لعل الله يفتح له باب التوبة ، ويجعله من أهلها.
قال الله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) : بيّن سبحانه أن يده في أخذ الصدقة ، يد الله بقوله عليهالسلام : «الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل».
قال تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) أي : خذ ما يتعلق بحظوظ أنفسهم ، حتى لم يبق بينهم وبين الله حظّ النفس.
وأيضا أي : باشر أموالهم بأخذ الصدقات للفقراء ؛ حتى تصل بركة يدك إلى أموالهم ، وتطهر بلطف يدك نفوسهم من المعاصي وجميع العذاب ، وتطهر قلوبهم من حبّ ما سوى الله.
(وَتُزَكِّيهِمْ) : تقدّسهم من البخل ، وسوء الخلق.
(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي : ادع لهم بقبول الله إيّاهم لوصاله ، وقبوله منهم ما منّ عليهم من نواله.
(إِنَّ صَلاتَكَ) : سكينة قلوب المؤمنين ، فإنّ دعاءك لهم ، مقرون بالإجابة ، وهم موقنون بذلك.
قال رويم : تطهّر سرائرهم ، وتزكّي نفوسهم.
قال الواسطي : تطهّر أبدانهم من دنس الانشغال بها والانقطاع إليها ، وتزكّيهم عن دنس الافتخار بها ، والمكاثرة بجمعها ، وليس على الأنبياء زكاة ؛ لأنه ليس على سرائرهم خطر الأموال.
وقال أيضا : تطهّر قلوبهم من أنجاس الذنوب ، وتزكّي بواطنهم وسرائرهم من أنجاس العيوب ، فأنجاس ذنوب الظاهر المنع ، وأنجاس عيوب الباطن الأذىّ.