السرور ، فلا يزال طائرات بأجنحة الرضا في قضاء البقاء بنعت الفرح بالمنى.
فإذا تلبّست بأشباحها ، طلبت أماكنها ومعادنها ، فأبصرت بنورها مراد تجلّي القدم ، فسبقت إليها ، وسكنت بسبيل الاستقامة في طريق المعرفة بطلب زيادة الزلفات ، وحقائق الوصلات.
قال ابن عطاء : «السابق» : من سبق له في الأزل حسن عنايته ، فيظهر عليه في وقت إيجاده أنوار تلك السابقة ، فإنه ما وصل إليه أحد ، إلا بعد أن سبق له في الأول منه لطف وعناية.
وقال الواسطي : السبّاق قولا وفعلا ، وحذّر النفس حسرة المسبوق ، ثم وصف السابقين لهم ، فقال : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) أي : أدركوهم ، وأدركوا ما هم فيه من لطائف الكرامات ، وأنوار المشاهدات.
وقوله : (بِأَحْسَنَ) أي : بإحسان الله عليهم في الأزل ، حيث أرشدهم طريق المعارف ، فأحسنوا بإحسان الله ، وإحسانهم شهودهم حضرة الله ، بنعت استضاء نور الإيقان والإيمان والعرفان.
ثم بيّن تعالى أن هذه الكرامة لهم من حسن الرضا عنهم في الأزل ، بقوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) : رضاه عنهم سابقة الاصطفائية منه لهم في الأزل ، فجعلهم راضين عنه بعد كشف لقائهم ، فقد اختاروا مشاهدة الله على ما سواها إلى الأبد.
قال جعفر رضي الله عنه : بما كان سبق لهم من الله من عنايته وتوفيقه ، ورضوا عنه بما منّ عليهم ، بمتابعتهم لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، وقبول ما جاء به ، وإنفاقهم الأموال ، وبذلهم المهج.
وقال النصر آبادي : ما رضوا عنه ، حتى رضي عنهم بفضل رضاه عنهم ، رضوا عنه.
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
قوله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) : وصف الله قوما عرفوا معايب أنفسهم لمعرفة الله وتعريفه إياهم نفسه ، فعرفوا نفوسهم بمعرفة الله ، فندموا عمّا جرى عليهم من أعلام المخالفات من الخجل والحياء بين يد الله.
وهم قوم ألحقتهم أنوار العناية تارة إلى المباشرة ، وسائر القربة ، ونشّقهم نسائم