اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١))
قال تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) : هكذا شأن من لم يذق ذوق السخاء في المعرفة.
قيل : من يري الملك لنفسه ، كان ينفقه غرامة عنده ، ومن يري الأشياء لله عارية في يده ، رأى ما ينفقه عنها إلّا غرما.
ثم استثني من هؤلاء من تصديق الله ورسوله والدار الاخرة ، بنور قذفه الله في قلوبهم ، وشرح به صدورهم ، فينفقون على رجاء قربة الله.
قال تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ) يعني : مشاهدات ، وكشف حجاب ، ورجاء وصال.
(وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) : بأن يدعوا لهم ، ويستزيد لهم مزيد قربة الله.
ثم قال تعالى على وجه استحسان ما أنفقوا له على أوليائه : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) أي : إنها وسيلة إلى قربة الله ، بل من قربة الله منهم ، وفّقهم ببذل وجودهم له (١).
ثم وصفهم بأنهم سيدخلون في حضرته وقربته ، وحجاب مملكته ، ويرونه بلا حجاب ، ولا عتاب ، بقوله : (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : رحمة مشاهدته ، أن يسترهم بكنفه عن غيره.
قال بعضهم : من طلب القربة إلى الله هان عليه ما يبذله في جنب ذلك ، وكيف ينال القربة إلى الله من لا يزال يتقرّب إلى ما يبعده من الله ، وهي الدنيا.
ثم وصف الله أهل سعادة الكبرى من سوابق زمرة الأعلى ، الذائقون طعم مجالس دناني ، وكان قاب قوسين أو أدنى ، بقوله : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) أي : السابقون بالأرواح قبل الكون إلى مشاهدة الأزل ، بنعت المحبّة والمعرفة والشوق حين أوجدها الحقّ من مكمن الغيب ، وأحضرها لديه على جزائر النور ، ومجالس
__________________
(١) وقال ابن عجيبة : تقربهم إلى حضرة ربهم ، وهذا شهادة من الله لصحة معتقدهم وكمال إخلاصهم. البحر المديد (٢ / ٤٣٩).