إحسان الله فيه ، وشهوده عليه ، وشهود العبد مشاهدته بشرط ألّا يرى لغير الله وزنا من نفسه ، وجميع الأكوان حتى لا يجد عليه أحد سبيل المنّة.
ثمّ وصف هؤلاء المحسنين بالفقر والظرافة فيه ، بنعت بذل الوجود ، وصدق اللقاء المحمود ، بقوله : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) أي : لترفعهم عن رؤية غير الله ؛ حتى رؤية ما وجدوا من الله من حظوظ حلاوة مشاهدته إلى الفناء فيه ؛ حتى لا يبقى فيهم غير حظّ الله منهم.
أيضا أي : لتحملهم بالله ؛ حتى يكونوا معك في مشاهدة الله أبدا ، ولا ينقطعوا عنك طرفة عين ، ثمّ بيّن الله سبحانه وصف القوم برغبتهم في بذل وجودهم لله ، وسرعة مسارعتهم إلى الله ، وشدّة شوقهم إليه ، وكثرة حزنهم بما فاتوا عنهم من حقوق الطريقة بتمام الاية ، مما أجابهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : لا أجد من العرش إلى الثرى شيئا يحملكم غير الله ، ثمّ قال الله : (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً) : بيّن أن البكاء من الحزن ، وهو بكاء المريدين ؛ لأن بكاء العارفين والمحبّين من الفرح بالله.
قال النصر آبادي في قوله : (إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) أي : يحملهم على الإقبال علينا ، والثقة بنا والرجوع.
وقال أيضا : يحملهم أي : فتحمل عنهم أثقال المخالفات ، ثمّ بيّن أن العتاب على من سكن إلى الدنيا ، وفرح بها ، بقوله : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) : وصف المتقاعدين عن الحقّ ، وعن السير إلى معارك شهداء العشق الذين قتلوا بسيوف المحبّة ، باشتغالهم بنفوسهم الأمّارة ، وهواها القاطع سبيل طلعة الله سبيل العار والشنار عليهم ؛ لأنّهم تركوا حظ الأكبر بالحظ الأصغر.
قال النصر آبادي : ألزم الله الندم الأغنياء ؛ لأنهم اعتمدوا أملاكهم وأموالهم ، واستغنوا بها ، ولو اعتمدوا على الله ، واستغنوا به لما ألزموا المذمّة.
ثم وصف تكلّف أهل الدنيا ، في إنفاقهم بالنفاق والرياء والسمعة ، ثم رأوا ذلك أيضا غرامة ؛ لأنهم لم يعرفوا ما يطلبون ، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ