مَحْمُوداً) المقصود من تهجد الليل : كشف جمال ذاته للمصلين في جوف الليل ، وذلك المقام المحمود.
و (عَسى) ها هنا مقام الرجاء ينكشف أنوار جلال ذاته لقلوب العارفين العاشقين في أجواف الليل التي هناك تسكب عبراتهم ، وتصعق زفراتهم ، يرونه به لا بتهجدهم ، هيجهم إلى مقامات الأنس لكشف القدس ، فإذا بعثوا هنالك ينسون أنفسهم ويتضرعون بين يديه فيبكون عليه ، ويسألون عنه رحمته الكافية الكافة.
قال عليهالسلام : «إنّ الله سبحانه يضحك في وجوه المصلين في جوف الليل» (١).
قال الأستاذ : المقام المحمود هو المجالسة في حال الشهود.
ويقال : هو الشفاعة لأهل الكبائر.
ثم علمه دعاء الوسيلة منه إليه بقوله : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) أي : أدخلني في بحر قدمك بنعت الفناء والتجريد عن غيرك وصدق المحبة ؛ لأن هناك مدخل الصدق ؛ حيث لا يبقى مني شيء غيرك ، وأخرجني بحر الفناء بنعت البقاء حتى أكون باقيا معك في مشاهداتك ، فإن هناك مخرج صدق ؛ حيث لا يبقى معي غيرك ، وألبسني من أنوار سلطان عزتك قميص الاستقامة ؛ حتى لا أكون فانيا فيك ، وهذا معنى قوله : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً).
وأيضا : أدخلني مدخل صدق العبودية ، وأخرجني مخرج صدق الربوبية ، واجعل لي من لدنك قوة الاتصاف والاتحاد من سلطان كبريائك.
قال سهل : أدخلني في تبليغ الرسالة مدخل صدق ألا يكون لي ميل إلى أحد ، ولا أقصر في حدود التبليغ ، وشروط وأخرجني من ذلك على السلامة وطلب رضاك منه والموافقة ، (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) زينتني بزينة جبروتك ليكون الغالب علىّ سلطان الحق لا سلطان الهوى.
قال جعفر بن محمد عليهماالسلام : أدخلني فيها على حدّ الرضا ، وأخرجني عنها وأنت عني راض.
وقال أيضا : طلب التولية أن يكون هو المتولي ، أي : أدخلني ميدان معرفتك ، وأخرجني من مشاهدة المعرفة إلى مشاهدة الذات.
وقال الواسطي : قال المعلّى في شرفه يعني : محمدا صلىاللهعليهوسلم (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ
__________________
(١) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٢ / ٢٥٥) بنحوه.