وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) ، فأظهر محمد صلىاللهعليهوسلم من نفسه صدق اللجوء بصدق الفاقة بين يديه ، وبصدق اللجوء تزينت الأسرار.
وقال فارس : السلطان ها هنا سلطان على نفسه بقمع هواه ، فيلزم جميعها بشاهد الهيبة ، فيهلك نفسه بسلطان الوحدانية ، وينصر على عدوه بحسن نظر الله له في معاونته ، وحمله عن رؤية هواه.
وقال سهل : لسانا ينطلق عنك ، ولا ينطلق عن غيرك ، فأجاب الله دعوته ، وقال : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [النجم : ٣].
وقال جعفر عليهالسلام : حقيقة الفاقة صدق استقامة المدخل فاقة العبودية ، والمخرج سعة الربوبية.
وقال الأستاذ : إدخال الصدق أن يكون دخوله في الأشياء بالله لله لا لغيره ، وإخراج الصدق أن يكون خروجه عن الأشياء بالله لله لا لغيره.
(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) حتى لا ألحظ دخولي ولا خروجي ، فلما استقام النبي صلىاللهعليهوسلم في جميع المعاني أمره الحق أن يخبر الخلق بأنّ الحق قد ظهر ظهورا لا شكوك فيه ، وارتفع الإبهام والظلام.
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) الحق هو الحق جلّ وعزّ ، والباطل الكون ، والحق العلم ، والباطل الجهل ، والحق المعرفة ، والباطل النفس والهوى ، والحق ما بدا من نور تجلي الحق وإلهامه ، والباطل هواجس النفس ووساوس الشيطان ، فإذا بدت أنوار سلطان بداهة المكاشفة تنمحي آثار النفس وإلقاء العدو.
وقال فارس : الحق ما يحملك على سبيل الحقيقة ، والباطل ما يشق عليك أمرك ، ويفرق عليك وقتك.
ويقال : الحق من الخواطر ما دعي إلى الله ، والباطل ما دعي إلى غير الله ، ومن الحق ما جاء.
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) اعلم أن الصلاة على خمسة أقسام : صلاة المواصلة والمناغاة في مقام الخفاء ، وصلاة الشهود في مقام الروح ، وصلاة المناجات في مقام السر ، وصلاة الحضور في مقام القلب ، وصلاة المطاوعة والانقياد في مقام النفس ، فدلوك الشمس هو علامة زوال شمس الوحدة عن الاستواء على وجود العبد بالفناء والمحض ، فإنه لا صلاة في حالة الاستواء ؛ إذ الصلاة عمل يستدعى وجودا ، وفي هذه الحالة لا وجود للعبد حتى يصلى كما ذكر في تأويل قوله : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)) [الحجر : ٩٩].