عجيب ، وعلم غريب ، وهو نزاهة نفسه ، وعظيم علمه بربه ، فبلغ هذا الخطاب به من الخوف والوجل من ربه ؛ حتى كاد أن يساوي خوف الواقعين للمخالفة ، وهذا الفرق بين الخواص والعوام أنهم يخافون في الهمة ما لا يخافه العوام في المواقعة.
وقال ابن عطاء : عاتب الأنبياء بعد مباشرة الزلّات ، وعاتب نبينا صلىاللهعليهوسلم قبل وقوعه ، ليكون بذلك أشد انتباها وتحفظا لشرائط المحبة ، فقال : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً).
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢))
قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) إذ أدلكت الشمس من قهر الجبارية ، فسجد في دلوكها لأنوار عظمة الجبار في تلك الساعة ، فأمره بسجوده والقيام بين يديه موافقة للشمس في سجودها لخالقها عند كشف عظمته ، فإنّ ذلك الوقت وقت خاصة لكشف العظمة ، وهكذا في وقت العصر ، فكأنها في وقت دلوكها في الركوع ، وفي وقت العصر في السجود إلى وقت غروبها ، فإذا غربت وجاءت غسق الليل ، ثم هناك غلبة سطوات العظمة ، فيسجد له الليل ، وتدور النجوم في سجودها إلى وقت الفجر ، فإذا طلع الفجر سجد له عمود الصبح الذي لم يكن من الليل والنهار ، وفي ذلك الوقت طلوع صبح الجمال والجلال ، وهناك يسجدون له الأرواح والأجسام لغلبة روح قدسه وأنسه عليها ، وهناك شهود الحق بوصف صفاته.
ألا ترى كيف قال : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الشاهد ذاته ، والمشهود صفاته ، وهذه الأوقات تدل على الإخبار بحفظ الأوقات على السرمدية ، وحضور القلب في مشاهد الغيوب.
قال بعضهم : القيام في بعض الأسحار مشهودة من صاحبه ، وشاهدة عليه.
وقال الأستاذ : الصلاة بالبدن مؤقتة ، والمواصلات بالسر والقلب مسرمدة ، فإذا فرغ من حفظ أوقات الليل والنهار على حبيبه بيديه المكاشفات الصفاتية حفظ أيضا وقت كشوف جلال ذاته له بقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً