الله ، وهناك هم أضلّ سبيلا ؛ لأن أولياءه في أكناف غيبه ولا يراهم غيرهم.
قال الجنيد : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) عن مشاهدة الفضل (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) عن مشاهدة الذات.
وقال أيضا : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) عن مشاهدة بره (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) عن رؤية وصال قربه.
(يَوْمَ نَدْعُوا) إلى آخره أي : نحضر كل طائفة من الأمم مع شاهدهم الذي يحضرهم ، ويتوجهون إليه من المال ، ويعرفونه سواء كان في صورة نبي آمنوا به ، كما ذكر في تفسير قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١)) [النساء : ٤١] ، أو إمام اقتدوا به ، أو دين أو كتاب ، أو شئت على أن تكون الباء بمعنى مع أو ننسبهم إلى إمامهم ، وندعوهم باسمه لكونه هو الغالب عليهم ، وعلى أمرهم المستعلي محبتهم إياه على سائر محباتهم.
(فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) أي : من جهة العقل الذي هو أقوى جانبيه ، وبعث في صورة السعداء.
(فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) (١) دون غيرهم ؛ لاستعدادهم للقراءة والفهم ؛ لأن الذي أوتي كتابه بشماله أي : من جهة النفس التي هي أضعف جانبيه لا يقدر على قراءة كتابه ، وإن كان مقرّا بذهاب عقله وفرط حيرته.
(وَلا يُظْلَمُونَ) أي : لا ينقصون من صور أعمالهم ، وكمالاتهم وأخلاقهم شيئا قليلا.
(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) عن الاهتداء إلى الحق.
(فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) كذلك.
(وَأَضَلُّ سَبِيلاً) مما هنا ؛ لأن له في هذه الحياة آلات وأدوات وأسبابا يمكنه الاهتداء بها ، وهو في مقام الكسب باقي الاستعداد إن كان ولم يبق هناك شيء من ذلك.
(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) إلخ هو من باب التلوينات التي تحدث لأرباب القلوب ؛ إذ النقصان الموجب للعذاب يقابل الكمال الموجب للذة ، فكلما كان الاستعداد أتم والإدراك أقوى كانت المرتبة في الكمال والسعادة اللذة أقوى ، فكذا ما يقابله من النقص والشقاوة أبعد
__________________
(١) أي : قراءة ظاهرة مسرورين وينتفعون بما فيه من الحسنات ولم يذكر الأشقياء وإن كانوا يقرأون كتبهم أيضا لأنهم إذا قرأوا ما فيها لم فصحوا به خوفا وحياء وليس لهم شيء من الحسنات ينتفعون به.