الاعتبار من بني آدم.
كما قيل :
فقال من أنت قلت أنت |
|
فلي فيه معنى شاهد يأبوني |
بل هو عين المكرم المعروف كما قيل :
رأيت ربّي بعين ربّي |
|
فقال من أنت قلت أنت |
وقد فني ابن آدم في هذا المقام ، وما بقي منه شيء ، وإلا فما للتراب ورب الأرباب.
أو : ولقد كرمنا بني آدم بالتقريب ومعرفة التوحيد ، وحملناهم في بر عالم الأجساد ، وبحر عالم الأرواح بتيسيره فيهما لتركيبه منهما ، وإرقائه عنهما في طلب الكمال ، ورزقناهم من طيبات العلوم والمعارف ، وفضلناهم على الجم الغفير ممن خلقنا أي : جميع المخلوقات على أن تكون من البيان ، والمبالغة في تعظيمه بوصف المفضل عليهم بالكثرة ، وتنكير الوصف وتقديمه على الموصوف أي : كثير وأي كثير وهو جميع مخلوقاتنا ؛ لدلالة من على العموم.
(تَفْضِيلاً) تامّا بينا.
ولهم كرامة الظاهر ، وهي تسوية خلقهم ، وظرافة صورتهم ، وحسن فطرتهم ، وجمال وجوههم ؛ حيث خلق فيها السمع والأبصار والألسنة واستواء القامة ، وحسن المشي والبطش ، واستماع الكلام والتكلم باللسان ، والرؤية بالبصر ، وجميع ذلك ميراث فطرة آدم التي صدرت من حسن اصطناع صفته الذي قال : «خلقت بيدي» (١).
فنور وجوههم من معدن نور صفته ، فأنوار الصفات نورت آدم عليهالسلام وذريته ، فيكونون من حيث الصفات والهيئات والحسن والجمال متّصفين متّخلقين بالصفات ؛ لذلك قال عليهالسلام : «خلق الله آدم على صورته» (٢) من حيث التخلق لا من حيث التشبه.
ولهم كرامة الباطن ، وهي العقل والقلب والروح والنفس والسر ، وفي هذه الجنود خزائن ربوبيته ، فالنفس مع جنود قهره ، والعقل مع جنود لطفه ، والقلب مع جنود تجلي صفاته ، والروح مع جنود تجلي ذاته ، والسر مستغرق في علوم أسراره ، فالكل مكرمة بكشوف الصفات ممن له استعداد رؤية الصفات ، ومن له استعداد رؤية الذات فهو في مشاهدة الذات ؛ فبكرامته عرّف العقول آياته ، وعرّف النفوس عبوديته ، وعرّف القلوب صفائه ، وعرّف الأرواح جلال ذاته ، وعرّف الأسرار وعلوم أسراره ، فأعطى العارفين من سمعه أسماعا ، ومن بصره أبصارا ، ومن كلامه خطابا ، ومن علمه قلوبا ، ومن سره أسرارا ، ومن أنوار صفاته
__________________
(١) رواه البخاري (٦ / ٢٦٩٥).
(٢) تقدم تخريجه.