من معرفة الإلوهية ، وهكذا حال من خرج من عنده الأسد إذا كان في أجمة ، لكن تفحّص حاله عند الأسد.
قوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) وإذا رجعنا إلى حال العبودية فإنّ صدق المعرفة هناك الاستقامة فيها ، والتساوي في رؤية النعماء والبلوى.
قال ابن عطاء : ليس بخالص لله من لا يكون في حاله الرجاء مع الله كحال الشدة ، ومن يلتجئ إلى غيره في أحوال الشدائد ، وهو من العبيد السوء الذي لا يقوّمه إلا الأدب.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) كرامته سابقة على كون الخلق جميعا ؛ لأنها من صفاته واختياره ومشيئته الأولية ؛ أوجد الخلق برحمته ، وخلق آدم وذريته بكرامته الخلق كلهم في حيز الكرامة الرحمة للعموم والكرامة للخصوص ، خلق الكل آدم وذريته وخلق آدم وذريته لنفسه ؛ لذلك قال : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٤١] جعل آدم عليهالسلام خليفته ، وجعل ذريته خلفاء أبيهم ، الملائكة والجن في خدمتهم ، والأمر والنهي والخطاب معهم ، والكتاب الذي أنزل إليهم ، والجنة والنار والسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم وجميع الايات خلق لهم ، والخلق كلهم طفيل لهم.
ألا ترى يقول لحبيبه صلىاللهعليهوسلم : «لولاك لما خلقت الكون» (١).
ومن (بَنِي آدَمَ) بالنطق والتمييز ، والعقل والمعرفة.
(وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي : يسّرنا لهم أسباب المعاش ، والمعاد بالسير في طلبها فيهما ، وتحصيلها.
(وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي : المركبات التي لم ترزق غيرهم من المخلوقات.
(وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) أي : ماعدا الذوات المقدسة من الملأ الأعلى.
وأما أفضلية بعض الناس كالأنبياء على الملائكة المقربين فليست من جهة كونهم بني آدم ، فإنهم من تلك الحيثية لا يتجاوزن مقام العقل ؛ بل من جهة السر المودعة فيهم المشار إليه بقوله : (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)) [البقرة : ٣٠] ، وهو ما أعد لذلك البعض من المعرفة الإلهية التامة بواسطة الجمعية التي فيه أي : مقام الوحدة ، وحينئذ ليس هو بهذا
__________________
(١) رواه الديلمي في الفردوس (٥ / ٢٢٧) بنحوه.