يذكر اللسان مع الحواس الأخرى ظاهرا ، ولكن في قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي : لا تخبر من شيء ، لا تعلم بقلبك ، ولا ترى بعينيك ، ولا تسمع بأذنك ، فإنهن مسئولات جميعا ، اللسان مسئول بالدعوى ، والعين مسئولة بالنظر بغير الاعتبار ، والسمع مسئولة عمّا تسمع من غير ما ينفع به ، والفؤاد مسئول عما يجري عليه من غير ذكر الله.
قال الواسطي : لا تخبر عنا إلا على طريق الحرمة ، ولا تجاوز فيه محل الإذن.
وقال أبو سعيد الخرّاز : من استقرت المعرفة في قلبه فإنه لا يبصر في الدارين سواها ، ولا يسمع إلا منه ، ولا يشغل إلا به.
وقال الفارسي : قال بعض الحكماء : اطلبوا من العلم حالكم ، ومن حالكم يومكم ، ومن يومكم ساعتكم ، ومن ساعتكم قلوبكم ، ومن ذكركم مرادكم ، ومن مرادكم بغيتكم ، حتى تكونوا من الصدّيقين ، واطلبوا في كل هذه الأشياء خطراتكم ، فإن الله تعالى يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).
قوله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) : إن الله سبحانه أوجد الخلق بقدرته القديمة الأزلية ، والمشيئة السابقة ، والإرادة القائمة بذاته وعلمه وحكمته ، فخرج الكون من العدم بما ظهر عليها من صفات القدم ، فباشر أنوار قدرته الوجود ، فأثّرت قدرته ومباشرتها في الأشياء الأرواح الحضرتية ، والعقول الربانية ، والألسنة الجبارية ، والمعرفة الأبدية ، ورفع الحجاب من بينها وبين معدن القدرة ومصادر الفعل ، فشاهدت الأشياء مصادرها ، فاهتزت أرواحها بنعت عشقها إلى معدنها ، وبكلمة ألسنتها ، وتقدس خالقها ، وتقديس بارئها وتسبيح صانعها ، وذلك من حياة فائضة شائعة من تواثير الحياة الأزلية ، فالكل في حياتها قائمة بتلك الحياة مسبّحة لصانعها بتلك الألسنة ، وذلك من استيلاء غواشي أنوار القدرة ، وسبحات العظمة عليها ؛ فالسماوات تسبح له بلسان العظمة ، والأرض تسبح له بلسان القدرة ، ومن فيهن يسبح له من ذوات الأرواح ، والحياة بألسنة الصفات ، والأفعال على قدر مراتبهم ، وجميع الأشياء تسبح له الناميات والجمادات بالظاهر من قول أهل الرسوم لا من قول أهل المعرفة ، يسبح له بلسان الأوصاف والأسماء والنعوت ، والعارفون من بينهم يسبحون له بالألسنة الذاتية ؛ لأنهم في شروق شموس الازال ، وأنوار طلوع أقمار الاباد ، ولكن لا يعرف تسبيح الجميع إلا من تجلّى الحق لسره وروحه وعقله وقلبه وصورته بجميع الذات والصفات ، وللأشياء ألسنة روحانية ملكوتية يسبح الحق بها بلغات غيبية ، وإشارات أزلية ، لا يسمعها إلا أهل شهور الغيب الذين ينطقون بالحق ، ويعقلون بالحق ، ويعرفون الحق بالحق ، وينظرون بالحق إلى الحق ، وتصديق ما ذكرنا في تسبيح