الجمادات ما روى أنس بن مالك قال : «كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذ كفّا من حصى يسبحن في يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى سمعنا التسبيح ، ثم جعلهن في يد أبي بكر حتى سمعنا التسبيح ، ثم جعلهن في يد عمر فسبّحن حتى سمعنا التسبيح ، ثم جعلهن في أيدينا فما سبحن في أيدينا» (١).
والدليل على صدق هذا الحديث قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] أي : سبّحي معه ، ومعروف أنّ الجبال سبحن بتسبيح داود عليهالسلام.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه ـ عليهماالسلام ـ قال : «مرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتاه جبريل عليهالسلام بطبق فيه رمان وعنب ، فأكل النبي صلىاللهعليهوسلم فسبّح ، ثم دخل الحسن والحسين فتناولا منه فسبّح العنب والرمان ، ثم دخل عليّ فتناول منه فسبّح أيضا ، ثم دخل رجل من أصحابه فتناول فلم يسبح ، فقال جبريل : إنّما يأكل هذا نبيّ أو وصيّ أو ولد نبيّ» (٢).
وأصدق التصديق قوله سبحانه في آخر الاية : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) من حلمه وغفرانه عرف المخلوقات كلها نفسه بالصفات القديمة الأزلية الأبدية ، ولو لا حلمه وغفرانه ما كان الكون ، ولم يكن له لسان يذكره ، ولكن بكرمه ورحمته وهب الكل من سلطانه وبرهانه لسانا يسبح بحمده ، وحمده شامل على كل ذرة ، وثناؤه في لسان كل ذرة ، سبحان الغني المحسن وهب عطاءه العميم والكريم القديم بغير استحقاق من الكون ولا يبالي.
قال أبو عثمان المغربي : المكونات كلها يسبحن الله باختلاف اللغات ، ولكن لا يسمع تسبيحها ، ولا يفقه عنها ذلك إلا العلماء الربانيون ، الذين فتحت أسماع قلوبهم.
(وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لقلّة النظر والفكر في ملكوت الأشياء ، وعدم الإصغاء إليهم ، وإنما يفقه (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧].
(إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) : لا يعاجلكم بترك التسبيح في طلب ، كما لا تكبر وإظهار خواصكم ، فإن من خواصكم تفقه تسبيحهم وتوحيده كما وحدوه.
غفورا : يغفر لكم غفلتكم وإهمالكم.
(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ
__________________
(١) رواه ابن الجوزي في «العلل» (١ / ٢٠٧).
(٢) لم أقف عليه.