معها بألا يشتغل بغير الله أبدا.
قال : أوفوا بمعاهد الأول ؛ فإن ذلك مسئول عند كل نفس ، ومطالب عند كل حركة ، فعهد المحب المحبة ، وعهد العارف المعرفة ، وعهد الموحد التوحيد ، وعهد المريد الإرادة ، ولكل عهد رعاية ، فعهد المريد بذل الوجود ، وعهد المحب الصبر في المفقود ، وعهد العارف تبرؤ الهمة عن الدارين ، وعهد الموحد إفراد القدم عن الحدوث والفناء في بقاء الحق.
قال حمدون القصّار : من ضيع عهود الله عنده فهو لاداب شريعته أضيع ؛ لأن الله يقول : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً).
وقال يحيى بن معاذ : لربك عليك عهود ظاهرا وباطنا ، فعهد على الأسرار ألا يشاهد سواه ، وعهد على الروح ألا يفارق مقام القربة ، وعهد على القلب ألا يفارق الخوف ، وعهد على النفس في أداء الفرائض ، وعهد على الجوارح في ملازمة الأدب ، وترك ركوب المخالفات ، والله يقول : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً).
ثم ذكر سبحانه بعد العهد الوفاء في صدق الأعمال والأقوال بقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) الإشارة فيه إلى أشباح المعرفة ألا ينقصوا ما عندهم من ذخائر العلوم على المريدين بما يوافق حالهم ، وألا يملّوا من نصيحتهم وتأديبهم ، ثم يحذر أوساطهم أن يزنوا دعواهم بالقسطاس المستقيم من المعاملات ؛ حتى لا تكون دعواهم خالية عن الأعمال والكيل الوافي ، الإخلاص والقسطاس المستقيم الصدق من كان في وزن الأعمال وكيل الأحوال مخلصا صادقا يعطيه الله لطائف كرمه وجوده ما لا يحصى عددها ، ويصف له جميع الخلائق ؛ لأنه منصف ينصف مع الله.
قال بعضهم : أوف الكيل ؛ فإن وزنك موزون وكيلك مكيل ، إن وفيت وفّى لك ، وإن نقصت نقص عنك (١).
ثم أدّب نبيه صلىاللهعليهوسلم بألا يحكم بما لم ينكشف له بالحقيقة بقوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) العارف معاتب مأخوذ من حيث الظاهر والباطن ، فالظاهر المعاملات ، والباطن الحالات ، مطالب بالصدق فيها ، لم
__________________
(١) قال ابن عجيبة : أمر بالعدل في الميزان المعنوي ، وهو وزن الخواطر بالقسطاس الشرعي ، فكل خاطر يخطر بالقلب يريد أن يفعله أو يتكلم به ، لا يخرجه ، حتى يزنه بميزان الشرع ، فإن كان فيه نفع أخرجه كما كان ، أو غيّره ، وإن كان فيه ضرر بادر إلى محوه من قلبه ، قبل أن يصير هما أو عزما ، فيعسر رده. البحر المديد (٤ / ٣٤٩).