سئل أبو حفص : ما البخل؟ قال : ترك الإيثار عند الحاجة إليهم ، ثمّ أنّ الله سبحانه أعلم أنه مطّلع على عقودهم الفاسدة ، وعهودهم الكاذبة في قلوبهم ، لمعرفته لسجيّتهم المجبولة بالبخل والنفاق ، بقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ).
أعلمنا وصف علمه المحيط بالسرائر والضمائر ، وخوفنا من عظيم مراقبته ، وارتصاده بمراصد الملكوت والجبروت ، وعرّفنا مكان الحياء منه ، وإجلاله والخوف من عظمته ، حيث أنّه علّام على خطرات قلوبنا ، وحركات أسرارنا ، ذكر السرّ والنجوى ، و «السرّ» : ما هو يعلم من نفسك ، ولا تعلم ذلك من نفسك ، و «النجوى» : ما هو يعلم من نفسك ، ولا يتمّ ذلك من نفسك أيضا ، ولا يعلم منك أحد غير الله.
النجوى : سرّ ، وسرّ غير النجوى سرّ السرّ.
قيل : «السرّ» : ما لا يطّلع عليه إلا أعلم الأسرار ، و «النجوى» : ما يطّلع عليه الحفظ.
(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠))
قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) أي : فليضحكوا فيها ما شاء ، وإذا أبغضوها وصاروا إلى الله ، استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا.
وقال أبو يزيد : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) : لئلا تغرّنّهم الدنيا ، (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) : شوقا إلى مولاهم.