فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧))
قوله تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : وصف الله الولاية والنبوة أنهما شقيقان ، وما وقع الأمر من الغيب ، إلا والولي والنبي يقبلانه بالإيقان والعرفان ، وكيف يكون الولي مخالفا للنبي ، وهو مخاطب بسر الإلهام وبمتابعته.
قال الواسطي : كيف يستأذن من هو مأذون له الإذن ، وإن قام بإذن ، وإن قعد قعد بإذن ، فجريان الحركات منه تظهر سوابق المأذون له فيه.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) : بيّن الله سبحانه أن إرادة العباد لا تقع إلا بإرادته ، حيث يقول : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) : نفى عنهم صدق الإرادة ، ولو كانوا صادقين في الإرادة ؛ لاستجابوا لبذل الوسع والطاقة ، ولكن سقمت إرادتهم ، فحصلت دون الخروج بإرادتهم ، كذلك لو صح منك الهوى أرشدت للحيل.
قال جعفر : لو عرفوا الله ؛ لاستحوا منه ؛ ولخرجوا له عن أنفسهم وأزواجهم وأموالهم ؛ بذلا لأمر واحد من أوامره.
وقال بعضهم : لو طلبوا التوكل ؛ لسلكوا سبيل الثقة بالله ؛ فإنها الطريق إليه.
قوله تعالى : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) : وصف أهل النفاق الذين لدغتهم أفاعي القرب بنعت عدم الترياق من مفرح الوفاق ، دعاهم بلسان الأمر إلى العبودية ، وأجرى شقاوتهم في سابق أحكامه الأزلية ، كانوا مخاطبين بالعبودية ، غير مكاشفين بجمال الربوبية ، امتحنهم بالأمر ، وردّهم عن ساحة الكبرياء بالحكم ، طالبهم بالأعمال ، ومنعهم عن الأحوال.
قال جعفر : طالب عباده بالحق ، ولم يجعلهم لذلك أهلا ، ثم لم يعذرهم ولامهم على ذلك ألا تراه يقول : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) (١).
قال ابن الفرحيّ : إنما هو نعت واحد ، كالماء الواحد يسقى به ألوان الشجر ، فيختلف ثمارها ، ولو سقي الورد بالبول ما وجد منه إلا ريح الورد ، ولو سقي الحنظل بماء الورد لما خرج إلا الحنظل وريحه ، إنما هي اللطيفة التي جرى بها الخذلان والتوفيق.
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ
__________________
(١) قاله بعضهم لبعض ، أو قالوه للمؤمنين تثبيطا لهم. قال ابن جزي : قائل هذه المقالة رجل من بني سليم ، ممن صعب عليه السفر إلى تبوك في الحر. البحر المديد (٢ / ٤٣١).