ويقال : كان العمى في العين ؛ فأمر بإلقاء القميص عليه ليجد الشفاء من العمى.
ويقال : لما كان البكاء بالعين التي في الوجه كان الشفاء في اللقاء للعين التي في الوجه ، وفي معناه أنشدوا :
وما بات مطويّا على أريحيّة |
|
بعقب النّوى إلّا فتى بات مغرما |
وقوله تعالى : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) كان كرم يوسف عليهالسلام يقتضي أن يذهب إلى أبيه ولا يستحضره ؛ ولكن أبى نازع العشق إلا أن يزيد البلاء على العاشق ، ومن يرى معشوقا في الكونين رحيما بعاشقه ؛ فإن اقتضى الظاهر الأدب غلب العشق على الرسوم حتى يزيد عشقه على عشقه ، وشوقه على شوقه ، ويرى يوسف عليهالسلام فتوته ؛ فاثر أجر السعي على أبيه ، كان سخيّا بدينه لا بدنياه ، وذلك من عزة أبيه عنده ، وشارك الأهل ؛ لأنهم أيضا قاسوا أيضا مقاساة الفراق أراد أن يشتركوا في الفرح.
ويقال : علم يوسف عليهالسلام أن يعقوب عليهالسلام لا يطيق القيام بكفاية أمر يوسف عليهالسلام فاستحضره إبقاء على حاله لا إذلالا بقدره ، وما عليه من إجلاله.
قوله تعالى : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) لما خرج من مصر هبت ريح الصبا على القميص ، وجاءت إلى يعقوب عليهالسلام وهبت على وجهه ، ونشقته ريح يوسف عليهالسلام فقال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) وجد ريح يوسف عليهالسلام من مسافة ثلاثين فرسخا ؛ لأنه كان في كل أنفاسه ، مستنشقا لريح يوسف عليهالسلام ، وهكذا شأن كل عاشق يتعرضون لنفحات ريح وصال الأزل ، ويستنشقون نسائم ورد مشاهدة الأبد ، بقلوب حاضرة ، وعيون باكية في الخلوات والصحاري والفلوات كأنهم ينشدون هذين البيتين كل وقت شوقا إلى تلك المعادن :
أيا جبلي نعمان بالله خليّا |
|
طريق الصّبا يخلص إليّ نسيمها |
فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت |
|
على نفس مهموم تجلّت همومها |
ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لنفحات الرحمن» (١) ، ما أطيب حال المحبين حيث راقبوا روائح كشف الصفات من معدن الذات ، وطلبتهم عرائس القدم في قميص الالتباس كأنهم ينشدون من غاية الشوق إلى تلك المعاهد هذين البيتين :
__________________
(١) رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (٣ / ١٨٠) ، و «المعجم الكبير» (١٩ / ٢٣٣) ، وذكره المناوي في «فيض القدير» (٢ / ٤٦٣) ، والعجلوني في «كشف الخفاء» (١ / ٢٦٩).