عذر إخوته ، وقال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ).
قال أبو بكر : اعتذروا إليه ، وأقروا بالجناية بقولهم : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) ، قال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) ، وهذا من شرط الكرم أن يعفو إذا قدر ، ويقبل عذر من اعتذر.
وقال الأستاذ : أسرع يوسف عليهالسلام التجاوز عنهم ، ووعد يعقوب عليهالسلام لهم بالاستغفار بقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) ؛ لأنه كان أشد حبّا لهم فعاتبهم ، وأما يوسف عليهالسلام فلم يرهم أهلا للعتاب ، فتجاوز عنهم على الوهلة.
ويقال : ما أصابهم في الحال من الخجلة قام مقام كل عقوبة عليهالسلام ، ولهذا قيل في المثل : «كفى للمقصر حياء يوم اللقاء».
ولما فرغ يوسف عليهالسلام من كشف حاله مع إخوته ووصاله معهم ، رتب شغل وصال يعقوب عليهالسلام ، ومن كرمه وجلاله أعطى وصاله أولا للخاطئين ، ثم للعاشقين ؛ لأن الخاطئ ضعيف لا يحتمل البلاء ، والعاشق قوي يحتمل البلاء ؛ لأن يعقوب عليهالسلام يرى يوسف عليهالسلام كل وقت بعين سره ، فاحتمل بلاءه بذلك.
(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤))
قوله تعالى : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) الحكمة في إرسال القميص أنه علم أن يعقوب عليهالسلام لا يحتمل الوصال الكل بالبديهة ؛ فجعل وصاله بالتدريج لئلا يهلك في أول الملاقاة من فرح الوجدان ، فأرسل القميص ليقويه بريحه وطيب روحه ، ولأن عيني يعقوب عليهالسلام ابيضتا لم تكونا عمياوين إنما ضعف نورهما ؛ فأرسل القميص لذهاب بياضهما ، فإنه لو يشم يوسف عليهالسلام بعينه احترق بقية نورهما من فورة الهيجان ، فخاف على عينيه ، وأيضا إن قميص يوسف عليهالسلام كان من نسج الجنة ؛ فرأى يوسف عليهالسلام غيرة الحق فأرسل القميص إليه ليشم أولا رائحة بساط القرب ، وأيضا كان قميص يوسف عليهالسلام علامة بينه وبين أبيه ، فأشار إليه بالقميص ، أي : إذا كان بالقميص السلامة من حرق الذنب فأنا أيضا بالسلامة.
وعن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر رضي الله عنه قال : كان المراد في القميص أنه أتاه الهم من قبل القميص بقوله : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) فأحب أن يدخل السرور من جهته التي دخل الهم به عليه.