واسترسال نفسه إلى الحق بنعت الافتقاد والعجز في قدراته وتقديره ، وصفه
بأنه ذو علم وأن علمه غير مكتسب (وَإِنَّهُ لَذُو
عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) كان علمه لدنيا بلا واسطة علمه بنفسه كما وصف الخضر عليهالسلام بقول الله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ
لَدُنَّا عِلْماً).
والعلم اللدني
على نوعين الأول : ظاهر الغيب ، والثاني : باطن الغيب ؛ فظاهر الغيب علم دقائق
المعاملات والمقامات والحالات والكرامات والفراسات ، وها هنا للعقل والقلب مجال
وباطن الغيب على أربعة أقسام :
الأول : علم
باطن الأفعال وذلك حكمة المعرفة.
والثاني : علم
الصفات وذلك المعرفة الخاصة.
والثالث : علم
الذات وذلك التوحيد والتجريد والتفريد.
والرابع : علم
أسرار القدم وذلك علم الفناء والبقاء.
وهناك تبرز
أنوار الأقدار للأسرار فعند علم بطون الأفعال ، وكشف الصفات للروح مجال ، وعند علم
الذات للسر مجال ، وعند علم أسرار القدم لسر السر مجال ، أما تولد علم دقائق
المعاملات ؛ فالصفاء والرقة ، وأما ما تولد علم المقامات ؛ فصحة الإرادة ولذة
المحبة ، وأما تولد علم الحالات ؛ فالشوق والعشق ، وأما تولد علم الكرامات
والفراسات ؛ فطمأنينة النفس الأمّارة بالذكر وسكون القلب بنور اليقين ، وأما تولد
علم بطون الأفعال ؛ فالحيرة في القدر ومباشرة لطائف الألفة ، وأما تولد علم الصفات
؛ فالإنس والجن بالجمال والوله في الجلال ، وأما تولد علم الذات ؛ فالمحو في الأزل
والصحو في الأبد ، وأما تولد علم أسرار القدم ؛ فالوقوف على العلم المجهول والحكمة
المجهولة ، ويقتضيان ذلك حالتين حالة السكر ، وحالة الصحو ؛ فالسكر يقتضي لذلك
العالم إفشاء السر بلسان بالعلم المجهول ، وذلك غلبة نطق الأزلية والصحو يقتضي
الخرس والكتمان عن إفشاء السر ، وجميع ما ذكرنا يتعلق بشيئين بالمكاشفة والمشاهدة
؛ فإذا بدا للعالم العارف لوائح أوائل الكشوف ولوامع الشهود في المشهود يقف سره
على موارد الصفات ، وسر سره على موارد الذات ؛ فيعرف السر من كل صفة طريقا خاصا من
الحق إلى الحق ، ويذوق طعما منها غير طعم صفة أخرى في رؤيتها ، ويعرف سر السر من
رؤية الذات طرقا من الذات إلى الذات ، وذوقا خاصا خارجا عن ذوق الصفات ؛ فبقي
العالم العارف مع معلومه ومعروفه بخلق الربوبية حتى صار ربانيّا صمدانيّا جلاليّا
جماليّا أبديّا ، قال الله : (كُونُوا
رَبَّانِيِّينَ).
قال بعضهم :
العلوم خمسة علم يصلح لكسب الدنيا ، وعلم يصلح لخدمة السلاطين ، وعلم يصلح لكسبه
الرياء والزينة ، وعلم يصلح للعبادة والمجاهدة ، وعلم يصلح لكسب