وفهومهم وهو كقول يوسف : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ).
ثم بيّن سبحانه تمكين يوسف عليهالسلام ومكانته واستقلاله بنفسه في مقام الرسالة والنبوة بقوله : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) : الإشارة فيه ملك بحسنه وجماله ولطفه وكماله أرض قلوب الخلق محبة وهيبة ، تجلس محبته حيث شاءت في صميم فؤاد الناس ، بقوله : (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) ، أضاف مكانة يوسف عليهالسلام إلى نفسه ، لا إلى سبب من أسباب الحدثان ، وذلك إشارة إلى سبق العناية له بالرسالة ، وكسائه كسوة جماله وجلاله.
ثم بيّن أن ذلك رحمته الأزلية التي خصّ بها من يشاء من عباده : (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) : رحمته كشف مشاهدته للأنبياء الأولياء ، وتعريف نفسه بكشف الصفات لهم إياهم حتى عرفوه به ، وسهّل عليهم طريق عرفانه حيث رفع بينه وبينهم علل المجاهدات والرياضات.
وذلك منّة عظيمة ، ورحمة كافية إذ كشف عزّة السّرمديّة للادميين ، وما مال بأنهم لا يستحقون شهودهم مشاهدته ، وأنى لهم مع حدوثيتهم البقاء مع القديم الأزلي الأبدي ، ويتلاشى الأكوان والحدثان في الأول بديهة سطوات عزته وظهور مجد جلاله ، ولكن تجاوز عنهم وعن حدوثيتهم برحمته ، وأراهم ما لم يكن لغيرهم من المكروبين والروحانيين ؛ لأنه تعالى اختارهم في الأزل لنفسه ولوصاله ، وكشف جماله ، ووضع أسراره في قلوبهم ، أي : بلوغ يوسف عليهالسلام إلى هذه المراتب السنية الرفيعة ، (بِرَحْمَتِنا) بعنايتنا وكرمنا.
هذا مكان العناية التي انقطع عندها الأسباب ، ثم بيّن أنه مع جلاله ولطفه لا يضيع أجر العاملين الذين سلكوا سبيل الأعمال ؛ فيصلوا إلى درجة الأحوال بقوله : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أجر أهل الإحسان كشف الجمال مشاهدة الرحمن ، وإحسانهم طلب طلوع صبح الأزل من مشارق الأبد بعيون الأرواح ، ودوران بصائر الأسرار.
ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم في جوابه السائل عن الإحسان ، قال : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ؛ فإنه يراك» (١).
فإحسان يوسف عليهالسلام مراقبة الله في بلائه ، وذلك الإحسان والمراقبة من عصمة الله ورحمته ؛ لأن العصمة مقرونة بالاصطفائية ، وكيف كان معصوما من لم يسبق له الاصطفائية في الأزل ، وأيضا إحسان يوسف عليهالسلام العفو والكرم للخاطئين ، وتعريف الله بوصفه وصفاته إلى عباده ليحبوه ويطيعوه ، وأيضا إحسان يوسف عليهالسلام كشف جماله لأهل البلاء والقحط حتى
__________________
(١) رواه البخاري (٤٤٠٤) ، ومسلم (٩).