والولاية ؛ حيث يشهد بصدقك جمالك وجلالك ، فإنّ معنى الباطن يظهر من ظاهرك ، أنت عندنا ذا مكانة وذا أمانة ، فاحكم بنا ما شئت ، فإنّي لا أوثر على أمرك شيئا.
قال بعضهم : أي شاهد صدق يخبر عن صدق ، فغلبه عز الصدق ، ورؤية صديقه ، فقال : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ).
وقال الشبلي : فلمّا كلمه أخبر يوسف عليهالسلام عما في قلبه من كوامن سره ، فقال : إنك متمكن في نفسك أمين ؛ حيث اطلعت على الأسرار ، فلمّا رأى الملك آيات الله في بلاد الله وعباده آمن بيوسف عليهالسلام أجله وأكرمه وأعزه ، واختاره على جميع الخلق ، فعلم يوسف عليهالسلام أن ما عرف الملك في جنب ما لم يعرفه منه أقل القليل ، فأظهر ما وهبه الله له من علمه بالله وبطريقه ، وحفظ حدوده في شريعته وشفقته على خلقه ، فقال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) : أخبر الله يوسف عليهالسلام الملك أيضا عن مقام تمكينه ، وقدرته بالتصرف في الملك الدنيا ؛ بألا يتحجب في تصرفها عن مشاهدة الله وملك الاخرة ، وليس كل من ينصرف في الدنيا متمكن إلا من كان على وصف يوسف عليهالسلام ، ووصف يوسف عليهالسلام حفظ الأنفاس بالذكر ، وحفظ القلب بالفكر ، حفظ أنفاسه عن الوسواس ، وحفظ قلبه وفكره عن ذكر غير الله ، عليم بذات الله وصفاته وآياته وعبادته.
وأيضا : إني حفيظ بنور تفرس نبوتي ما يقع من أمور المقادير عليهم بعلم الله ما يجري في القلوب من الغيوب ، وخزائن الأرض في الإشارة قلوب الرياضين من الأولياء والصدّيقين.
قال الواسطي : مدح النفس قبيح في الشاهد إلا في وقت الإذن فيه ، وله حين وأوان ، ألا ترى يوسف عليهالسلام كيف قال : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (١).
وقال بعضهم : خزائن الأرض رجالها.
فقال : اجعلني عليهم أمينا ، فإنّي حفيظ لما يظهرونه ، مكشوف لي ما يضمرونه ، وكذلك الأنبياء صلوات الله عليهم.
وقال أبو سعيد الخرّاز : إن لله عبادا يدخل عليهم الخلل ، ولولا ذاك فسدوا وتعطلوا ، وذاك أنهم بلغوا من العلم غاية صاروا إلى علم المجهول الذي لم ينصّه كتاب ، ولا جاء به خبر ، لكن العقلاء العارفون يحتجبون له من الكتاب والسنة ، وذلك بحسن استنباطهم ،
__________________
(١) لأن الحفظ والعلم كان محتاجا إليهما إما الحفظ ، فلأجل ما في خزانة الملك وإما العلم فلمعرفة ضبط الدخل والخرج ، تفسير حقي (١٠ / ١٣٩).