يجرها إلى مكروهها ومخالفتها في سائر أيامه كان مغرورا ، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها ، وكيف يصح لعاقل رضي نفسه ، والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) : تحملك على الطاعة وتضمر فيها شرّا.
وقال سهل : خلق الله النفس وجعل طبعها الجهل ، وجعل الهوى أقرب الأشياء منها ، وجعل الهوى الباب الذي منه هلاك الخلق.
قال الله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) : هي نفس الروح ، والروح هو نفس الجسد.
وقال سهل : النفس الأمارة هي الشهوة ، والنفس المطمئنة هي نفس المعرفة.
وقال أبو حفص : النفس ظلمة كلها ، وسراجها سرها ، ونور سراجها التوفيق ، فمن لم يصحبه توفيق في سرّه من ربه كانت ظلمة كلها.
وقال سهل : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) موضع الطبع ، (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) موضع العصمة.
وقال الواسطي : النفس ظلمة ، وسراجها سرها ، فمن يكن له فهم في ظلمة أبدا.
وقال الأستاذ في قوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) : بيان العذر لما قصّر في أمر الله ، فاستوجب واستحق بعذره العفو والغفران ، فلما ثبت الحجة والسلطان ، وظهر قدسه وطهارته من علل الشيطان طمع الملك في أن يراه ويعظمه بقوله : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أي : أستخلصه لموعظة نفسي ليعرّفني طريق نجاة نفسي من عذاب الله.
وأيضا : أستخلصه بخالص محبتي له ليعرف خالص محبة الله ، وخصائص صفة ربوبيته.
وأيضا : أستخلصه لنفسي حتى أفش عنده ما في نفسي من أسراري.
قال ابن عطاء : كيف يستخلصه لنفسه وقد استخلصه الحق من قبل فهو لديه من المخلصين.
قوله تعالى : (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) : أخبره عما في ضمائره من أسرار الغيب ، وما في غيب الغيب ، وما يتعلق ، وما في حياة القلوب ، وما كان من وصف الله وصف الطريق إليه بلسان فصيح ، ووجه صبيح الذي يبرز نور الحق منه للعالمين : (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) : أي : أنت بما تخبر من الحق وأسراره متمكن أمين فيما أودع الله في سرّك من النبوة والرسالة