يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))
قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) : جعل الله أيام الفراق ممدودة ، وجعل أيام الوصال بلا حساب ، ولا انقطاع ، وجعلها على التأبيد.
قال الله تعالى : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة : ٣٣] ، وجعل لأيّام العبادة منقطعا ، وجزاؤها بمشاهدته لهم لم يجعل له منقطعا.
قال الله تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠] : حثّ بهذه الاية المشتاقين إلى الفرح بوصاله ، وزيادة شوقهم إلى كشف جماله ، حيث جعل أيام التفرقة القليل ، وحسن وصالهم الخليل :
دنا وصال الحبيب واقتربا |
|
وطربا للوصال وأطربا |
كان في الكتاب الأزلي لأيام العبودية حصر ؛ لأنّها زمان الامتحان ، وهي من أوصاف الحدثان ، فإذا خرجت من أماكن الكونين لا يبقى إلا أنوار جمال الرحمن المنزّهة عن تغاير الملوان ، وعن الانقلاب والدوران ، وحدود المكان ، ومضيّ الزمان ، لا يكون هناك إلا كشف جمال الأزل بجلال الأبد ، وكشف جلال الأبد بجمال الأزل ليس عنده مساء غروب بالفناء ، ولا صباح علل البداء.
وقت العارف في كشف جمال وجهه ليس وقت الأزمنة ، بل تسرمد استغراقه في بحار القدمية ، وطيرانه بأجنحة البقاء في هواء الأبديّة ، ولا يجري عليهم طوارق الزمان ، ولا علّة الحدثان ، ما أطيب أيام الوصال للمشاهدين كشف الجمال ، وطوبى لأعين قوم أنت بينهم فهن من نعمة من وجهك الحسن.
والإشارة في قوله : (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) كشف أوقات السرمدية بنعت تجلّي الأزليّة لوقت مرور القضاء والقدر ، اليوم عبارة عن طلوع الشمس وغروبها ، وليس في جلال القدم مشرق الحدث ، ومغربة المشارق هناك آزال ، وآزال الازال ، والمغارب آباد وآباد الاباد ، الدهر الدهار ، والفلك الدوّار فانيان في قدم الرحمن ، أوجد من العدم وقتا بقدر يوم ، فخلق الخلق في ذلك اليوم.