يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥))
قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً) : عبر من بقي في رؤية المقتدى عن رؤية الحقّ ، وإن كان وسيلة منه ، فكان في إفراد القدم من الحدوث إلى النظر إلى الوسائط شرك ، وتصديق ذلك تمام الاية قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) : غيرة الوحدانية ما أبقت في البين غير أمن الشواهد والايات ، وجميع الخلق.
قال الله تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) [الأنعام : ٩١] ، ولما رأى عليهالسلام غيرة القدم على شأن استهلاك الغير ، زجر من مدحه ، وتجاوز في المدح ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح» (١) ، وتحرّك في تفريد سرّه من رفع الحدثان ، حين تكلّم في الصحو بعد السكر ، وأخبر عن فناء الكل في الكل ، وقطع مسالك الصورة عن إفراد القدم ، بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل» (٢) ، بعد أن كان مأمورا بمتابعة الخليل عليهالسلام ، بقوله تعالى : (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٣٢].
قال أبو يزيد في «مقالة التوحيد» : إيّاك أن تلاحظ الحبيب والكليم والخليل ، وتجد عند الله سبيلا.
وسئل الشبليّ عن وصف جبرائيل عليهالسلام ، فقال : والله ما خطر على قلبي منذ شهر أنّ الله خلق جبرائيل ، وأخبر عن فناء شهوده في شهود الله.
قال بعضهم في هذه الاية : سكنوا إلى أمثالهم ، فطلبوا الحقّ من غير مكانه ، وطرق الحقّ خلق جبرائيل ، وأخبر عن فناء شهوده في شهود الله. قال بعضهم في هذه الاية : سكنوا إلى أمثالهم ، فطلبوا الحقّ من غير مكانه ، وطرق الحقّ واضحة لمن كمل بنور التوفيق ، وأبصر سبل التحقيق ، ومن عمي عن ذلك كان مردودا عن طريق الحقّ إلى طرق الضالين من الخلق.
وقد وقع أنهم معيّرون وموبّخون بقلّة عرفانهم أهل الحقائق ، وركونهم إلى أهل التقليد ، وسقطوا عن منازل أهل التوحيد في التفريد ، وهكذا شأن من اقتدى بالزرّاقين من أهل السالوس المتزيّنين بزيّ المشايخ والعارفين المتحقّقين ، وتخلّف خلف الجامعين للدنيا ، الذين يقولون : نحن أبناء المشايخ ، ونحن رؤساء الطريقة ، يضحك الله الدهر ملجأهم حيث علموا أن الولاية بالنسب ، حاشا أن من لم يذق طعم وصال الله ، وقلبه معلّق بغير الله يكون
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١٢٧١).
(٢) تقدم تخريجه.