وقال غيره : وجه ضرب مثل الذي كذب بالآيات بالكلب ، هو أن الكلب من عادته أنه يذل ويخضع لكل أحد ؛ لما يطمع أن ينال منه أدنى شيء ، ولا يبالي ما يصيبه من الذل والهوان في ذلك بعد أن ينال منه بشيء ؛ فعلى ذلك الكافر والمكذب بالآيات لا يبالي ما يلحقه من الذل والهوان بعد أن يصيب من الدنيا شيئا (١).
ويشبه أن يكون وجه ضرب المثل بالكلب ؛ لما أن من عادة الكلاب [أنها](٢) إذا ظفرت بالجيف (٣) تنكب لها ، حتى إذا ينادي لها وتدعى لا تكثرت إليه ولا تلتفت ؛ فعلى ذلك هذا الكافر ينكب لكل جيفة ويخضع ، ولا يلتفت إلى ما نودي ودعي إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ).
أي : يخرج لسانه ويتنفس تنفسا [شديدا](٤).
(أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) ومعناه ـ والله أعلم ـ أن الكلب إذا أصابه العطش والجوع لهث (٥) ، وإذا لم يصبه لهث أيضا ، فعلى ذلك الكافر يميل إلى ذلك ويختار ، أصابته شدة أو لم تصبه ؛ أو كلام نحو هذا.
وقال قتادة : هذا مثل الكافر ، ميت الفؤاد كما أميت فؤاد الكلب.
(ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ضرب الله ـ عزوجل ـ مثل الكافر مرة بالكلب (٦) ، ومرة بالميت (٧) ، ومرة بالأعمى (٨) ، ومرة بالتراب (٩) ، ومرة بالأنعام (١٠) ،
__________________
(١) في ب : بشيء.
(٢) سقط في أ.
(٣) جافت الميتة جيفا : أنتنت ، والجيفة : جثة الميتة إذا أنتنت. ينظر : المعجم الوسيط (١ / ١٥٠) [جاف].
(٤) سقط في أ.
(٥) اللهث : إدلاع اللسان ـ أي : إخراجه ـ من العطش ؛ مثّل الله سبحانه حال بلعام بن باعوراء بحال كلب هذه صفته ؛ فإذا كان لاهثا لم يملك دفع ضر ولا جلب نفع ، فلم يكتف بأن جعل مثله مثل الكلب بل مثل كلب متصف بما ذكره. ورجل لهثان وامرأة لهثى ، أي : بهما عطش. واللهاث : العطش ، وقيل : اللهث يستعمل في العطش وفي الإعياء جميعا. ينظر : عمدة الحفاظ (٤ / ٥١).
(٦) كما في قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف : ١٧٦].
(٧) كما في قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ١٢٢].
(٨) كما في قوله تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) [الأعراف : ٦٤].
(٩) كما في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٦٤].