وقيل (١) : تركها ؛ وكله واحد.
ثم يحتمل قوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها) أي : كانوا قبلوها مرة ، ثم ردوها من بعد القبول.
ويحتمل : أن لم يقبلوها ابتداء فخرجوا منها وكذبوها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ).
فيه دلالة أن الله لا يتبع الشيطان أحد ولا يزيغه إلا بعد أن كان منه الاختيار للضلال والميل إليه ؛ حيث قال : (فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) إنما أتبعه الشيطان بعد ما كان منه الانسلاخ والنزع.
وقوله : (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) قيل : كان في علم الله أن يكون في ذلك الوقت من الغاوين.
وقيل (٢) : كان من الغاوين ، أي : صار من الغاوين إذا انسلخ منها وخرج ، والغاوي : الضال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها).
يحتمل قوله : (لَرَفَعْناهُ بِها) : عصمناه حتى لا ينسلخ منها ولا يكذب بها ، أي : لو شئنا لوفقناه لها حتى يعمل بها.
أو أن يقال : لو شئنا لعصمناه حتى لا يختار ما اختار ، لكنه إذ علم منه أنه يختار ذلك ويميل إليه ، شاء ألّا يعصمه ، ولا يوفقه ، فكيفما كان فهو على المعتزلة ؛ لأنه أخبر : [أنه](٣) لو شاء لرفعه بها ، وكان له مشيئة الرفع ، ثم أخبر أنه لم يرفع ، ولو رفعه بها كان أصلح له في الدين ؛ دل أنه قد يفعل به ما ليس هو بأصلح في الدين ، وهم يقولون : [إن](٤) المشيئة ـ هاهنا ـ مشيئة القهر والقسر ، لا مشيئة الاختيار ، لكن ما ذكرنا أن الإيمان في حال الاضطرار والقهر لا يكون إيمانا ، فلا معنى لذلك ، ولا يكون ذلك رفعا ؛ فيبطل قولهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ).
هو ما ذكرنا ؛ لما علم منه أنه يخلد إلى الأرض ويميل إليها ، لم يعصمه ولم يرفعه.
والإخلاد إلى الأرض : قال الحسن (٥) : سكن إلى الأرض.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٢٣) (١٥٤٢٩) عن ابن عباس ، وبمعناه ذكره الرازي في تفسيره (١٥ / ٤٥).
(٢) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٤٢٢).
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٢٦) (١٥٤٤٢) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٦٧) ، وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.