__________________
ـ افتريته على الله ـ تعالى ـ وكيف يقبلون مجرد إخباره مع إنكارهم الأخبار المؤيدة بالمعجزات الباهرة؟! والتعليل بأنه يجوز أن يسمعوا كلام الله بآذانهم ، ويكون هناك قرائن دالة على أنه ليس من جنس كلام البشر كعدم الترتيب والاستماع من جهة واحدة ؛ فينتهوا عن طلب الرؤية ـ تعليل سقيم ؛ لأنهم سمعوا التكليم بالأمر والنهي حينما دخلوا مع موسى ـ عليهالسلام ـ الغمام ، وخروا سجدا ، وأيقنوا أنه من عند الله ـ تعالى ـ فما بالهم قد رجعوا بعد هذا وقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)؟! فدل كل هذا على أنه إنما سألها لنفسه ؛ فتكون جائزة.
الاعتراض الرابع :
وهو بمنع الملازمة مع منع دليلها ، وحاصله : أنهم قالوا : لا نسلم لزوم العبث في سؤالها عند العلم بالامتناع ؛ لجواز أن يكون ذلك لفائدة هي زيادة الطمأنينة ، وذلك أن موسى ـ عليهالسلام ـ سأل ربه رؤية ذاته لنفسه وهو عالم بامتناعها علما عقليّا ؛ لتأكد الدليل العقلي بالسمعي فيزداد علمه ويقوى يقينه بتعاضد الأدلة ، وغير خاف أن تكرار الأدلة لو كانت من جنس واحد تفيد زيادة الاطمئنان ، فكيف إذا كانت من جنسين سمعي وعقلي؟!
وقد أجيب عن هذا الاعتراض بأنه لو كان المراد كما تقول المعتزلة من طلب موسى ـ عليهالسلام ـ الدليل السمعي الدال على امتناعها واستحالتها لزيادة العلم لخوطب بما يدل على الامتناع لا على نفي الواقع الدال على الإمكان والقول بأن هذا مثل ما وقع للخليل ـ عليهالسلام ـ مردود ؛ لأنه قياس مع الفارق ؛ لأن الخليل ـ عليهالسلام ـ إنما طلب أن يرى إحياء الموتى ليطمئن قلبه ، وليس في هذا ما يوهم بجهله بما لا يليق في حقه تعالى ، على أنه قيل : إن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لم يكن عالما من قبل الطلب حتى يكون تأكيدا ، وذلك أنه أوحي إليه من ربه : إني اصطفيتك إنسانا خليلا ، وعلامته : أني أحيي الموتى بدعائه ، فظن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أنه ذلك الإنسان ، فطلب الإحياء ليطمئن قلبه. وما قيل في الجواب : إن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ كان يخاطب جبريل ـ عليهالسلام ـ عند نزوله بالوحي ليعلم أنه من عند الله ، فضعيف ؛ لأن الخطاب صريح في أنه كان يخاطب الرب ـ سبحانه وتعالى ـ وجبريل ليس برب ؛ فإن الرب وإن أطلق على غير الله تعالى بمعنى المربّي كقوله : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ)[الفجر : ٢٨] لكن إضافته إلى نفسه مما لا يليق بشأن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وكيف يكون الخطاب لجبريل وهو يطلب إحياء ، الموتى وهذا ليس بمقدور لجبريل ـ عليهالسلام ـ فيكون منه عبثا؟!
الاعتراض الخامس :
هو موجه على دليل الملازمة أيضا ، أعني منافاة النبوة ، وحاصله تسليم أنه غير عالم بامتناعها ، ومنع أن هذا مناف للنبوة ، وإنما الذي ينافيها هو الجهل بالوحدانية وما أمر بتبليغه من الأوامر والنواهي ؛ لجواز أن يكون امتناعها وجوازها من الأمور التي مرجعها طريق السمع ، على أنه يجوز ألا تكون الرؤية من شريعة موسى ـ عليهالسلام ـ وحينئذ لا يضر الجهل بامتناعها والسؤال عنها ـ والحالة هذه ـ صغيرة لا يمتنع مثلها على الأنبياء.
أجيب :
أولا : أن هذا يقتضي أن موسى ـ عليهالسلام ـ دون آحاد المعتزلة ، بل ودون من حصّل طرفا من علم الكلام.
ثانيا : أن المعتزلة يدعون العلم الضروري بأن كل ما كان مرئيّا فإنه يجب أن يكون مقابلا ، أو في حكم المقابل ، وحينئذ لا يخلو الحال إما أن يكون موسى ـ عليهالسلام ـ حصل له هذا العلم أو لم ـ