__________________
ـ يحصل ، فإن كان الأول كان موسى ـ عليهالسلام ـ مجوزا كونه تعالى حاصلا في جهة وحيز وهو محال ، وإن كان الثاني لم يكن عالما بجميع العلوم الضرورية وهو نقص في حقه ـ عليهالسلام ـ فثبت أن القول بأن موسى غير عالم بامتناعها باطل فاسد ؛ لما يترتب عليه من التأخير ، وقولهم : إن السؤال عن الرؤية مع العلم بامتناعها صغيرة لا يمتنع مثلها على الأنبياء ، قول فاسد لا يسيغه طبع سليم ، كيف وأنهم ما حكموا باستحالتها إلا لأنها تقتضي التجسم؟! وعلى ذلك لا يكون طلبها صغيرة والحالة هذه ، بل كبيرة يجب تنزيه الأنبياء عنها ، ولو سلم أنها صغيرة فالأنبياء معصومون من الصغائر بعد النبوة كما هو التحقيق.
إلى هنا تم الكلام عن الوجهة الأولى بالاستدلال بالآية الكريمة ، ودفع ما ورد عليها من الاعتراضات ، ولنتكلم بعد هذا عن الوجه الثاني من أوجه الاستدلال بالآية الكريمة لأهل السنة ، فنقول : إن الآية الكريمة تصرح بتعليق رؤية الذات الأقدس على استقرار الجبل ، وهو أمر ممكن في نفسه ؛ فكذلك ما علق عليه يكون ممكنا ، بيان الدليل أن يقال : الرؤية علقت على ممكن ، وكل ما علق على ممكن فهو ممكن ؛ فالرؤية ممكنة ، أما دليل الصغرى فقوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) ، فهذا الجواب صريح في أن الله ـ تعالى ـ علق الرؤية على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل من حيث هو أمر ممكن في نفسه ، وعلى ذلك تكون الرؤية قد علقت على أمر ممكن.
وأما دليل الكبرى ـ وهي : وكل ما علق على الممكن فهو ممكن ـ فالتعليق ؛ إذ معناه الإخبار بوقوع المعلق على تقدير وقوع المعلق عليه ، وهذا يقتضي أن يكون المعلق ممكنا ، إذ المحال لا يقع على شيء من التقادير أصلا ؛ فتكون الرؤية ممكنة ، وإلا لزم الخلف في خبر الله تعالى ، وأيضا لو صح أن يكون المعلق على الممكن مستحيلا لأمكن صدق الملزوم بدون صدق اللازم ، وليس بصحيح ، وإلا انعدمت قضية التلازم.
وقد ناقشت المعتزلة هذا الوجه كما ناقشت الأول فنظرت كلتا مقدمتيه ، وذكرت على الصغرى القائلة : الرؤية علقت على ممكن ـ أننا لو عددنا الفروض التي يكون عليها المعلق عليه وهو استقرار الجبل لوجدنا أنها مستحيلة ؛ فيكون المعلق مستحيلا ، وبيان ذلك : أن استقرار الجبل إما حال السكون أو مطلقا غير مقيد ، وإما حال الحركة ، وبطلان الأول ظاهر ؛ لما يلزم عليه من وجود الرؤية لوجود الاستقرار الذي هو شرط بمقتضى التعليق.
كذلك الثاني ؛ فإن استقرار الجبل من حيث هو واقع في الدنيا فيلزم وقوع الرؤية المعلقة عليه فيها.
ولم يبق إلا الاستقرار حال الحركة وهو ممتنع ، وقد علقت الرؤية عليه ؛ فتكون ممتنعة ، يساعد على أن الرؤية علقت على الاستقرار حال التحرك : أن لفظة (إن) المذكورة في الآية إن دخلت على الماضي صار بمعنى المستقبل ، وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) أي : لو صار مستقرّا في المستقبل فسوف تراني ، ولم يحصل الاستقرار في الزمان المستقبل ، وإلا لوجب حصول الرؤية ؛ لوجوب حصول المشروط عند حصول الشرط الذي تتم به علية العلة ، ولم يتحقق حصول الرؤية بالاتفاق ؛ فلم يستقر الجبل فيكون متحركا بالضرورة ، فالجبل حال ما علق الله الرؤية باستقراره كان متحركا ، واستقرار الجبل من حيث هو متحرك محال ؛ فالتعليق عليه لا يدل على إمكان الرؤية.
وقد أجابت أهل السنة باختيار الشق الثاني من الترديد ، وهو أن المعلق عليه استقرار الجبل من حيث هو ، ولا يلزم وقوع الرؤية كما زعمتم ؛ لأن الاستقرار وإن لم يقيد بالحركة أو السكون لكن ـ