والثاني : قوله : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) وفي قولهم : من ظهر آدم.
والثالث : قوله : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) وفي التأويل (١) ألّا تقولوا ، فكيف يحذرهم عن القول بذلك وقد علم أنهم كذلك ، ليس أحد منهم يذكر ذلك ، ولا مما يتقرر عنده لو نبه بكل أنواع التنبيه؟
والرابع : قوله : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) [الأعراف : ١٧٣] ما في ذلك العرض مما يمنع عن هذا القول ، وأيضا أنه [ذكر في بعض ذلك القول بأن هؤلاء](٢) في النار ولا أبالي ، وفي القرآن الجمع بينهم في القول ببلى ، وذلك عد توحيدا منهم مع ما في القرآن : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً ...) الآية [البقرة : ٢٨](قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ...) الآية [غافر : ١١] ، وفي إثبات (٣) ذلك إثبات الموت والحياة أكثر من العدد الذي جاء به القرآن في الكل ، ولا قوة إلا بالله.
ثم قد يتوجه التأويل الثاني [في قوله :](٤)(وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] إلى أوجه.
فأما ابتداء الآية فهو ذلك عند التحقيق ؛ لأنه ذكر الأخذ من بني آدم ثم من ظهورهم ، والمأخوذ من بني آدم ثم من ظهورهم هو النطف ، وهو الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب ، (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) أعلمهم ما منه أنشأهم وقلبهم من حال إلى حال ، إلى أن تمت النسمة (٥) وظهرت البشرية على ما أعلم كل في ذريته خروج بدئه من تدبير والديه ، وقيامه على ما عليه مداره وقراره ، وبتدبير من لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه أمر ؛ ليقولوا : إن الذي ذكر هذا هو ربهم الذي رباهم على ذلك ، ليس كمثله شيء ، فكان ذلك إعلاما من الله إياهم على أنفسهم ، وشهادة منها بالخلقة أنه ربهم الذي رباهم وملكهم على ما جرى فيهم من تدبير الله ـ جل ثناؤه ـ ولئلا يقولوا غدا : إنهم عن هذا غافلين ؛ إذ قد عرف ذا كل ذي عقل ، وعرف أنه كان بالله ـ سبحانه وتعالى ـ لا بوالديه ؛ ليجعلوا شرك الآباء والأمهات لأنفسهم حجة من حيث كانوا منهم ، والله أعلم.
والثاني : أن يكون الله أشهدهم على أنفسهم بما أراهم من أحوال ذريتهم في الانتقال
__________________
(١) انظر : تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٦١٠).
(٢) في ب : ذكر في ذلك القول هؤلاء.
(٣) في أ : بيان.
(٤) سقط في أ.
(٥) النسم : الخلق والناس ، والنسمة : كل كائن حي فيه روح. ينظر : المعجم الوسيط (٢ / ٩١٩) (نسم).