الأصلاب ، والإنشاء في الأرحام ؛ على ما كان ويكون إلى يوم القيامة ؛ على ما قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ...) [الطارق : ٥] إلى قوله : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [الطارق : ٧] وقال : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا ...) الآية [الحج : ٥] ، وقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ...) الآية [المؤمنون : ١٢] ، وقال : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ...) الآية [نوح : ١٣] ، وغير ذلك مما احتج الله به من أوّل ما جرى به تدبير البشر إلى آخر ما ينتهي به أمره ، مما يعجز عن تقديره وسع الخلق ، ويستتر عن عقولهم كيفية بدء ذلك ، وما عليه تنقله من حال إلى حال في كل طرفة عين ، ولحظ بصر ، مع ما فيه من عجيب التدبير وحسن التقويم الذي [لو](١) تكلف الخلق تصوير مثله (٢) بكل أنواع الحيل من الأصول الظاهرة ، بحيث يبصره كل بصر ـ لكان يعجز عنه ، فكيف في الظلمات الثلاث (٣) ، مع ما ركب فيه من العقل والسمع والبصر ، وما جعل في كل ما أنشأ فيه ، ومنه مما لا يبلغ الأوهام فضلا عن (٤) الإحاطة بما في ذلك من الحكمة ؛ ولذلك قال الله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢١] وكأن (٥) ذلك هو العهد إلى جميع الذرية وإشهاد أنفسهم عليهم ، يتعالى من دبرهم على ذلك وأنشأهم على ما فيهم عن أن يكون له [شريك] أو يقدر أحد قدره ، فذلك هو معنى إشهادهم على أنفسهم ، أي : جعلهم على أنفسهم شهودا أن يعلموا أن مدبرهم هو ربهم ، لا ربّ لهم غيره ، وأنه ليس كمثله شيء ، مع ما في جعل ذلك ذرية يعرف كل بما يرى من عجزه تدبير ولده ، وجهله بأحواله في حال كونه في رحم أبويه بيان على أنه لا كان بآبائه وأمهاته علم ، ولكن برب العالمين ، وذلك هو الذي يمنعهم عن القول بالغفلة (٦) عن ذلك ؛ إذ قد علمه كل منهم لآجال كونهم في الوقت الذي لا يذكره أحد.
والذي يبين أن هذا التأويل أحق من الأول ما دل عليه (٧) سياق الآية من ذلك قوله (٨) : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) ، وأقاويل من ذكرت على الأخذ من ظهر آدم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : أمثلة.
(٣) المقصود : البطن ، والرحم ، والمشيمة.
(٤) في أ : من.
(٥) في ب : فكأن.
(٦) في أ : بالفضلة.
(٧) في ب : ما دل على.
(٨) في أ : من ذلك وقوله.