(أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ).
قال القتبي : شديد ؛ وكذلك قال أبو عوسجة (١).
وقال غيره (٢) : أي : موجع ، وهو واحد.
وقال الحسن : (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ) على الوقف ، ثم قال : (بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ).
قال أبو عوسجة : قوله : (عَتَوْا) أي : استكبروا ؛ يقال : عتا يعتو عتوّا ، وكأن العتو هو النهاية في البأس ، فكذلك (٣) قيل في قوله : (عَتَوْا) بائسا ، لكن سمي مرة : قساوة ، ومرة : استكبارا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ).
قال بعضهم : حولت صورتهم وجسدهم صورة القردة ، وكانت عقولهم على حالها عقول البشر لم تحول ؛ ليعلموا تعذيب الله إياهم وما أصابهم بهتكهم حرم الله.
وقال قائلون : حول طباعهم طباع القردة ، وأما الصورة والجسد على حاله.
وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة (٤).
وقوله : (خاسِئِينَ) قال بعضهم : هو من خسأ الكلب : صار قاصيا مبعدا ؛ يقال : خسأته.
وقال أبو عوسجة (٥) : (خاسِئِينَ) : مبعدين ؛ وكذلك قال في قوله : (اخْسَؤُا فِيها) [المؤمنون : ١٠٨] أي : ابعدوا فيها وارجعوا فيها ؛ يقال : خسأت فلانا وأخسأته ، أي : باعدته ، فخسأ ، أي : تباعد.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٠١) (١٥٣٠١ ، ١٥٣٠٢) عن مجاهد ، (١٥٣٠٤) عن ابن زيد.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٤) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٠١) (١٥٣٠٠) عن ابن عباس ، (١٥٣٠٣) عن قتادة.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٤) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة.
(٣) في ب : فلذلك.
(٤) قال الزجاج : أمروا بأن يكونوا كذلك بقول سمع.
وقال غيره : المراد بالأمر هو الأمر التكويني ، لا القولي ، أي : التكليفي ؛ لأنه ليس في وسعهم حتى يؤمروا به. وفى الكلام استعارة تخييلية ؛ شبه تأثير قدرته تعالى في المراد من غير توقف ، ومن غير مزاولة عمل واستعمال آلة ـ بأمر المطاع للمطيع ، في حصول المأمور به ، من غير توقف.
وظاهر الآية يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولا بعذاب شديد ، فعتوا بعد ذلك ؛ فمسخهم. ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا لما قبلها. ينظر : محاسن التأويل للقاسمي (٧ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦).
(٥) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٢٠٩) ولم ينسبه لأحد.