(لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً) بعد ما نهوا [و](١) وعظوا ، فقالوا : كيف تعظون قوما لا يتعظون ولا ينتهون ، فإنما قالوا ذلك بعد ما نهوا.
وقال قائلون : هذا القول منهم نهي ؛ لأنهم أتوا بوعيد شديد بقولهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) ، فنفس هذا القول منهم نهي وزجر عما ارتكبوا ؛ حيث أتوا بالنهاية من الوعيد ، وهو الهلاك والعذاب الشديد.
ولكنا لسنا نعلم أنهم كانوا في الهلكى أو في الناجين ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، ولو كان لنا حاجة إلى ذلك لبينه لنا ـ عزوجل ـ ولم يترك ذلك لآرائنا ، سوى أنه بين من نجا (٢) منهم بالنهي عن الظلم والعدوان ، وبين من أهلك وعذب بالظلم والعدوان بقوله : (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ).
قرئ بالرفع (٣) والنصب (٤) أيضا معذره فمن قرأ بالرفع (٥) أضمر فيه هذه ؛ كأنهم قالوا : هذه معذرة إلى ربكم ؛ كقوله : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النور : ١] قيل : هذه سورة أنزلناها.
ومن قرأ بالنصب (٦) قال : (مَعْذِرَةً) أي : اعتذارا منهم إلى ربهم (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) عما نهوا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) أي : تركوا وأعرضوا عما ذكروا به.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : ينجي.
(٣) وهى قراءة الجمهور. ينظر : إتحاف الفضلاء (٢٣٢) ، النشر لابن الجزري (٢ / ٢٧٢) ، تفسير القرطبي (٧ / ٣٠٧) ، التبيان للطوسي (٥ / ١٥).
(٤) وبها قرأ حفص عن عاصم ، وزيد بن علي وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف ، ينظر المصادر السابقة.
(٥) قراءة الرفع على أنها خبر ابتداء مضمر ، أي : موعظتنا معذرة ، ينظر : اللباب (٩ / ٣٦٠).
(٦) وفي توجيه هذه القراءة أوجه :
أظهرها : أنها منصوبة على المفعول من أجله ، أى : وعظناهم لأجل المعذرة.
وقال سيبويه : لو قال رجل لرجل : معذرة إلى الله وإليك من كذا ، لنصب.
الثاني : أنها منصوبة على المصدر بفعل مقدر من لفظها ، تقديره : نعتذر معذرة.
الثالث : أن ينتصب انتصاب المفعول به ؛ لأن المعذرة تتضمن كلاما ، والمفرد المتضمن لكلام إذا وقع بعد القول نصب نصب المفعول به ، ك (قلت خطبة). وسيبويه يختار الرفع ، قال : لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا ، ولكنهم قيل لهم : لم تعظون؟ فقالوا : موعظتنا معذرة.
والمعذرة : اسم مصدر وهو العذر.
وقال الأزهري : إنها بمعنى الاعتذار ، والعذر : التنصل من الذنب.
ينظر : اللباب (٩ / ٣٦١) ، الكتاب لسيبويه (١ / ١٦١).