وقوله : (شُرَّعاً) أي : شارعات من غمرة الماء ، أي : خارجات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) ذكر في الأول أنهم كانوا ثلاث فرق :
فريق عدوا ، وتركوا أمر الله ، وارتكبوا ما نهوا عنه.
وفريق نهوا أولئك الذين اعتدوا وانتهكوا حرم الله.
وفريق ، قيل : لم يعتدوا ، ولم يرتكبوا نهيه ، ولا نهوا أولئك الذين اعتدوا ، وهم الذين قالوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ...) الآية ، وكذلك روي عن ابن عباس (١) ـ رضي الله عنه ـ قال : هم كانوا ثلاث فرق : فرقة وعظت ، وفرقة موعوظة ، وفرقة ثالثة ، وهم الذين قالوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ).
وهو ما ذكرنا أنه ذكرهم في الابتداء ثلاث فرق ، وذكر في آخر الحال فرقتين : فرقة هي التي هلكت بالاعتداء ، وفرقة هي التي نهت ونجت.
ثم اختلف أهل التأويل في الفرقة الثالثة :
قال بعضهم (٢) : كانوا في الفرقة التي هلكت ؛ لوجهين :
أحدهما : لما لم ينهوا أولئك الذين اعتدوا ، وكان فرض عليهم النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، فإذا لم ينهوا أولئك هلكوا وشركوا في العذاب ؛ كقوله : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ ...) الآية [المائدة : ٦٣].
والثاني : كانوا معهم لما نهوا الناهين بقوله : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ).
وقال قائلون : كانوا في الناجين (٣).
قال الحسن : لأنهم كانوا نهوا أولئك عن الاعتداء والظلم الذي كان منهم ، وكان قولهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً) بعد ما نهوهم [و](٤) وعظوهم فلم يتعظوا ، فإنما قالوا لأولئك :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير بنحوه (٦ / ٩٨) (١٥٢٩١) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥١ ـ ٢٥٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه ابن جرير (٦ / ٩٧ ـ ٩٨) (١٥٢٨٩) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥٣) وعزاه لعبد بن حميد وأبى الشيخ عن ابن عباس.
(٣) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ٩٤ ـ ٩٧) عن كل من : ابن عباس (١٥٢٧٧ ، ١٥٢٧٨ ، ١٥٢٨٠ ، ١٥٢٨١ ، ١٥٢٨٢ ، ١٥٢٨٣ ، ١٥٢٨٥ ، ١٥٢٨٧) ، والسدي (١٥٢٧٩) ، وقتادة (١٥٢٨٤) ، وابن زيد (١٥٢٨٦).
ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٥١ ، ٢٥٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٤) سقط في أ.