النجاسات (١) إلا العظم (٢) ، وغير ذلك من الأشياء التي لم تحل لهم ، فأحلت لهذه الأمة.
ويحتمل أن يكون الإصر والأغلال التي كانت عليهم : من نحو ما حرم من أشياء بظلم كان منهم وتحريم ؛ نحو قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ) [النساء : ١٦٠] وقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [الأنعام : ١٤٦] ، إلى قوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) [الأنعام : ١٤٦] حرمت تلك الأشياء عليهم ؛ عقوبة لبغيهم وظلمهم الذي كان منهم ، أخبر أنه وضع عن هؤلاء ذلك ، لم يحرم ذلك عليهم.
وفي هذه الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر أنه أمي ، والأمي ما ذكر في قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨] كان لا يتلوه ولا يخطه بيده ، ثم أخبر على ما كان في كتبهم [من غير أن عرف ما في كتبهم](٣) أو نظر فيها وعرف لسانهم ؛ دل أنه [إنما](٤) عرف ذلك بالله.
وقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ).
__________________
ـ وأما السنة فما رواه أبو داود عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «ما رأيت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو» وذلك دليل على أفضليته ؛ فكما أن لأولياء الدم أن يطالبوا باستيفاء القصاص من القاتل فلهم الحق في العفو عنه ؛ لأن حق العبد في القصاص غالب. ولصاحب الحق أن يتصرف في حقه.
والفقهاء جميعا يرون سقوط القصاص بالعفو وإن اختلفوا فيمن يسقط القصاص بعفوه.
هذا والعفو كما يكون إلى الدية يكون بغير مقابل ، وفي مذهب أبي حنيفة ومالك : لا يستحق الولي المال إلا برضاء الجاني.
وإنما يسقط القصاص بالعفو ؛ لأن المقصود منه ـ وهو الإحياء ـ يتحقق بالعفو ؛ لأن الولي إذا عفا عن حقه فقد أمنت العداوة بينه وبين القاتل ، وليس في سقوط القصاص عند ذلك تضييع لحكمة الزجر ؛ لأن الحاكم بما له من سلطة التعزير له أن ينزل بالقاتل من العقاب ما يحقق ذلك.
ينظر : القتل العمد لمحمد مبروك يوسف.
(١) النجاسة في اللغة : النّجس ، والنّجس ، والنّجس : القذر من الناس ، ومن كل شيء قذرته.
ونجس الشىء ، بالكسر ، ينجس نجسا ، فهو نجس ، ونجس ورجل نجس ، ونجس ، والجمع : أنجاس.
وقيل : النجس يكون للواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد ، يقال : رجل نجس ، ورجلان نجس ، وقوم نجس قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة : ٢٨]. فإذا كسروا ثنوا وجمعوا وأنثوا ، فقالوا : أنجاس ونجسة.
وقال الفراء : نجس لا يجمع ، ولا يؤنث. وعليه فالنجاسة : كل مستقذر.
واصطلاحا : عرفها الشافعية بأنها : (كل مستقذر يمنع من صحة الصلاة ، حيث لا مرخص). ينظر : قليوبي وعميرة (١ / ٧٨) نهاية المحتاج (١ / ٢٣١) ، لسان العرب (٦ / ٤٣٥٢) (نجس).
(٢) في أ : القطع.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.