وفي قوله : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ...) إلى آخر ما ذكر ـ دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن أولئك لم يأتوا بالتوراة ، والإنجيل فيقولون : لا نجد ما تذكر في التوراة والإنجيل ؛ دل ذلك منهم على أنهم وجدوه كذلك ، والله أعلم.
وقوله : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ).
أي : يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة أنه يأمر بما أمر الله به ، وينهى عما نهى الله عنه.
(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ).
ما أحل الله لهم.
(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ما حرم الله عليهم يجدونه في التوراة أنه لا يأمر بشيء ولا ينهى عن شيء ولا يحل شيئا ولا يحرم إلا بأمر [من](١) الله له ، لكنهم ينكرونه إنكار عناد ومكابرة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦] وغيره.
ويحتمل قوله : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ...) الآية ، أي : يأمرهم (٢) بما هو معروف في العقل وشهادة الخلقة ، وهو التوحيد ، وكذلك ينهاهم عما هو في العقل وشهادة الخلقة منكر ، وهو الكفر وجميع المعاصي.
(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أي : يحل ما هو طيب في العقل والطبع ، ويحرم ما هو خبيث في العقل والطبع جميعا ؛ لأن من الأشياء ما هو مستخبث في الطبع لم يجعل غذاء البشر فيه ، وإنما جعل غذاءهم فيما هو مستطاب في الطبع بلغ غايته في الطيب ، ولا كذلك جعل غذاء البهائم والأنعام ؛ هذا محتمل ، والله أعلم.
ثم المعروف الطيبات (٣) لو تركت العقول (٤) والطباع على ما هي عليه (٥) ، لكانت لا حاجة تقع إلى رسول يخبر أن هذا معروف ، وأن هذا طيب أو خبيث أو منكر ، ولكن تعرف العقول والطباع ذلك كله ، لكن يعترض العقول (٦) من الشبه فتمنعها من معرفة ذلك ، فاحتاجت إلى رسول (٧) يخبر عن ذلك.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : يأمر.
(٣) في ب : والطيبات.
(٤) في أ : للعقول.
(٥) في ب : عليها.
(٦) ف أ : تعرض للعقول.
(٧) في ب : رسول الله.