قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) [العنكبوت : ٤٨].
لئلا يقولوا : إنك أخذت هذا من الكتب المتقدمة ومن علومها وحكمتها ، (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) ؛ لئلا يقولوا : إنه من تأليفك ، ويعلموا أنه من عند الله جاء به ، لا من ذات نفسه.
__________________
ـ والأحبار يفسرون التوراة ، ويضيفون على التفسير من عندهم تشريعات لم يأذن بها الله مثل تحريم الأكل بأيد غير مغسولة. وأما عيسى عليهالسلام فإنه كان مفسرا لها ولم يكن محرما ومحللا من تلقاء نفسه كما كان يفعل الربانيون والأحبار ، بل إنه ألغى تشديداتهم وأباح محرماتهم من تلقاء أنفسهم ، كما قال تعالى عنه : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)[آل عمران : ٥٠] من الربانيين والأحبار. وأما قوله تعالى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ)[المائدة : ٤٧] فإن معناه : وليحكموا بما فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة ؛ فإن في الإنجيل : «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس» وفيه : في الإصحاح الثالث والعشرين من إنجيل متى قول عيسى ـ عليهالسلام ـ : «على كرسي موسى جلس الكتبة والفرّيسيون ، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه ، فاحفظوه وافعلوه ، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا ؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون».
خامسا : ومن أوصافه : أن يكون نبيّا أميّا غير قارئ ولا كاتب ، وهذا معنى قوله : «وأجعل كلامي في فمه».
سادسا : ومن أوصافه : أن الله ينصره على مخالفيه ، وهذا مستفاد من قوله : «ويكون الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي ، أنا أطالبه» أي الله يقول : أنا أنتقم من مخالفيه.
سابعا : ومن أوصافه : ألا يقتل ، وأن من يكذب ويدعي النبوة ويزعم أنه هو المراد من هذه النبوءة المذكورة في سفر التثنية ، أو يدعو إلى غير الله ـ فإنه يقتل ، وهذا مستفاد من قوله : «وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به ، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى ، فيموت ذلك النبي» أي : فيكون جزاؤه القتل.
ثامنا : وإن قال متبع شريعة موسى : كيف نميز الصادق من الكاذب؟ أي : إذا ظهر من يقول : إني أنا هو ذلك النبي ، فكيف نعرف أنه صادق؟
فإنه أعطى علامة للناس ، ليعرفوا الصادق من الكاذب ، وهي أنه إذا ظهر وأخبر عن غيب ، ووقع الغيب كما قال ؛ فإنه يكون صادقا في دعوى النبوة. وهذا مستفاد من قوله : «وإن قلت في قلبك : كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟» وهذا هو السؤال. والإجابة هي : «فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر ؛ فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب ، بل بطغيان تكلم به النبي ، فلا تخف منه».
تاسعا : ومن أوصافه أن يكون ملكا على بني إسرائيل والعالم ؛ لقوله : «له تسمعون» وفي الزبور : «عوضا عن آبائك ، يكون بنوك ؛ تقيمهم رؤساء على كل الأرض» [مز : ٤٥] والمراد بقوله «بنوك» : أصحابه وأنصاره.
وقد ظهر مما تقدم : أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مكتوب عنه في التوراة في الإصحاح الثامن عشر من سفر التثنية ، مع المقارنة بالنصوص الأخرى الدالة على بركة إسماعيل ـ عليهالسلام ـ ومكتوب عنه في الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا.
وظهر أن التوراة قد وصفت أصحابه بأنهم قديسون طاهرون ، وأنهم لا يعصون رسول الله ولا يستكبرون عن طاعته ؛ ففي الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية : «وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم ، فأحب الشعب ، جميع قديسيه في يدك ، وهم جالسون عند قدمك ، يتقبلون من أقوالك» [تث ٣٣ : ٢ ـ ٣].
ينظر : النبى الأمي فى التوراة والإنجيل ص (١١ ـ ١٩).