__________________
ـ فقد قال : «جميع قديسيه في يدك ، وهم جالسون عند قومك ، يتقبلون من أقوالك» أي أن الصحابة الأجلاء في يد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا يخرجون عن طاعته ، وهم جالسون عند قدمه : كناية عن التواضع بين يديه ، ويتقبلون من أقواله : أي لا يشرعون لهم من تلقاء أنفسهم.
ـ وقد نبه يعقوب الذي هو إسرائيل بنيه حال موته على مجيء نبي السلام الذي متى جاء فإنه سيأخذ منهم الملك والنبوة بقوله : «لا يزول قضيب من يهوذا ، ومشترع من بين رجليه ، حتى يأتي شيلون ، وله يكون خضوع شعوب» [تكوين ٤٩ : ١٠] والمعنى : لا يزول الملك من بني إسرائيل. وعبر ب «يهوذا» عن بني إسرائيل بأسرهم. وستظل التوراة شريعة تحت نفوذ الملوك من بني إسرائيل حتى يأتي «شيلون» نبي الإسلام ، فيتسلم منهم النبوة والملك وتخضع له أمم الأرض.
وليس شيلون إلا محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنه من إسماعيل المبارك فيه.
ـ ولما كان موسى ـ عليهالسلام ـ هو والمشايخ السبعون على جبل طور سيناء لتلقي شريعة التوراة من الله ، خاف بنو إسرائيل من الدخان والنار اللذين أحاطا بهما وهما فوق الجبل ، وقالوا لموسى عليهالسلام : إذا أراد الله أن يكلمنا مرة أخرى ويسمعنا صوته فليكن عن طريق بشر ، ليكن عن طريقك يا موسى ونحن نسمع ونطيع. فرد موسى كلامهم إلى الله. فقال الله : أحسنوا فيما قالوا ، ولسوف أرسل لهم نبيّا مثلك وأجعل كلامي في فمه ، أي سيكون نبيّا أميّا لا يقرأ ولا يكتب.
وهذا النبي الذي سيأتي مماثلا لموسى هو محمد ـ عليهالسلام ـ لأن الله قد بارك في إسماعيل ـ عليهالسلام ـ وجعل له ملكا ونبوة ، كملك بني إسحاق ونبوتهم ؛ فإن لإسحاق بركة كبركة إسماعيل وحملها من بني إسحاق كلهم : بنو إسرائيل. وبدأت من بني إسرائيل من موسى عليهالسلام ؛ فإنه صاحب الشريعة وكان رئيسا مطاعا ، وجاهد في سبيل الله وأمر أتباعه بدخول الأرض المقدسة ، ففي الإصحاح الثامن عشر من سفر التثنية :
«يقيم لك الرب إلهك نبيّا من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون حسب كل ما طلبت من الرب إلهك في حوريب يوم الاجتماع قائلا : لا أعود أسمع صوت الرب إلهي ولا أرى هذه النار العظيمة أيضا لئلا أموت ، قال لي الرب : قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبيّا من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه ؛ فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي ، أنا أطالبه ، وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى ، فيموت ذلك النبي.
وإن قلت في قلبك : كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟
فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر ، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب ، بل بطغيان تكلم به النبي ؛ فلا تخف منه» [تث ١٨ : ١٥ ـ ٢٢].
كيفية انطباق النبوة على محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ :
أولا : إن من أوصاف هذا النبي المنتظر : أن يكون نبيّا لا إلها. وقد زعم النصارى : أن أوصاف النبي الذي تتحدث عنه هذه النبوءة تنطبق على عيسى ، عليهالسلام. وزعمهم باطل ؛ لأن بعضهم يقول : إن عيسى إله ، وبعضهم يقول هو الإله الخالق للعالم ؛ فالكاثوليك والبروتستانت يقولون : إن عيسى هو الإله الثاني والله هو الإله الأول والروح القدس هو الإله الثالث.
والأرثوذكس يقولون : إن عيسى هو الله رب العالمين وقد ظهر للناس في صورة بشر. وعن مذهب الكاثوليك والبروتستانت يقول تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)[المائدة : ٧٣] ، وعن مذهب الأرثوذكس يقول تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة : ٧٢].
وهذا مع ما في التوراة وما في الإنجيل من أن الله تعالى هو الخالق للعالم وحده ، وأنه ليس ـ