(الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ).
أي : يجدونه مكتوبا في التوراة أنه رسول نبي (١) ، وأنه أمي.
__________________
(١) بين الله تعالى في التوراة وفي الإنجيل لعلماء بني إسرائيل ولسائر الأمم : أن سيظهر محمد من آل إسماعيل بن إبراهيم ؛ ليكون للعالمين نذيرا ، وأنه سينسخ شريعة موسى ، وسيغير عوائده وشعائره. ووصف صحابته بالطهر والعفاف ، وأنهم أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ، وأنهم في بدء الإسلام سيكونون جماعة صغيرة ، ثم تنمو رويدا رويدا حتى يكونوا كبارا ، يعمل الناس لهم ألف حساب وحساب.
ففي الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين : أن الله تعالى قال لإبراهيم : «سر أمامي وكن كاملا ؛ فاجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيرا جدّا» والمعنى : امش في الناس بالدعوة إلى ديني ، وعرفهم بي ؛ لينبذوا عبادة الأوثان ، وكن كاملا ، أي : أمّة وقدوة في عمل الخير. ولئن التزمت بالدعوة والقدوة ، أجعل عهدي معك بالنبوة والرسالة والملك على الأمم ، وقد التزم إبراهيم عليهالسلام ، ومن أجل ذلك قال الله له : سأجعل عهدي بالنبوة والرسالة والملك على الأمم في نسل إسحاق عليهالسلام إذا مشوا بالدعوة إليّ وكانوا قدوة في عمل الخير. فقال إبراهيم لله : وإسماعيل ولدي البكر أتمنى أن تجعل العهد في نسله أيضا ؛ فيكون العهد بالنبوة والرسالة والملك مشتركا بين إسماعيل وإسحاق ، ويكون لهذا مدة ، ولهذا مدة.
هذا ما قاله إبراهيم عليهالسلام لله تعالى حسبما تنص التوراة ؛ فإن فيها : «وقال إبراهيم لله : ليت إسماعيل يعيش أمامك. فقال الله : وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدّا ، اثني عشر رئيسا يلد ، وأجعله أمة كبيرة».
وقد حمل بركة إسحاق بالتوراة موسى عليهالسلام ، وحمل بركة إسماعيل بالقرآن محمد عليهالسلام. وبيان ذلك :
ـ أن إسماعيل عليهالسلام سكن مع أمه في برية فاران ، وهي أرض مكة المكرمة ؛ ففي الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين : «ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها : ما لك يا هاجر ، لا تخافي ؛ لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو ، قومي احملي الغلام وشدي يدك به ؛ لأني سأجعله أمة عظيمة. وفتح الله عينيها ، فأبصرت بئر ماء ، فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية. وكان ينمو رامي قوس ، وسكن في برية فاران ، وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر» هذا هو مكان سكنى إسماعيل المبارك فيه بالملك والنبوة.
ـ وقد قسم موسى عليهالسلام بركة الله بالملك والنبوة على ثلاثة أماكن :
سيناء : مكان نزول التوراة.
وساعير : مكان تفسير التوراة من علماء وأنبياء بني إسرائيل.
ج) وفاران : مكان نزول القرآن.
فقال في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية : «وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال : جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من ساعير ، وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم. فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك ، وهم جالسون عند قدمك ، يتقبلون من أقوالك».
وفي هذا النص بيان كثرة أصحاب محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقد قال : «وأتى من ربوات القدس» وفي بعض التراجم : وأتى مع آلاف من جيش المقدسين الطاهرين الذين اختارتهم العناية الإلهية لهذا الغرض المقدس. وفي هذا النص مدح لأصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ