١٠] ومعلوم أنه لم يرد به زكاة المال ، ولكن زكاة النفس بالتوحيد والتقوى ، وكذلك قوله : (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [النور : ٧] هو تلك الزكاة لا الزكاة المعروفة زكاة المال ؛ فعلى (١) ذلك الأول ، والله أعلم.
وإن كان على الزكاة المعروفة فذلك في قوم ثقل عليهم واشتد إخراج الزكاة من أموالهم ؛ كقوله : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ ...) [فصلت : ٧] كذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ).
قد ذكرنا في غير موضع أن من آمن بآيات الله وصدقها فقد آمن بالله وبرسله ، ومن كذب بآياته كذب بالله وخالف رسله ؛ لأن طريق معرفة الله ورسله إنما هو من طريق الآيات والحجج ، ليس من طريق المشاهدات والمحسوسات ؛ لذلك كان الإيمان بالآيات إيمانا بالله وبرسله ، والتكذيب (٢) بها كفر بالله ورسله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ).
أي : يقفون (٣) أثر الرسول في كل سيرته ، وفي كل أمره ونهيه ، ويطيعونه ؛ سماه رسولا ونبيّا بقوله : (الرَّسُولَ النَّبِيَ) والرسول : المبعوث على تبليغ الرسالة والمأمور بها على كل حال ، والنبي : المنبئ لهم أشياء عند السؤال والاستخبار ، والرسول هو المأمور بالتبليغ سألوه أو لم يسألوا شاءوا أو أبوا (٤) ، وكان لمحمد صلىاللهعليهوسلم كلاهما : الإنباء والتبليغ ؛ كقوله : (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة : ٦٨] ، وقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً).
الأمي : ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ...) الآية [العنكبوت : ٤٨].
__________________
(١) في ب : وعلى.
(٢) في ب : وبالتكذيب.
(٣) أي يتبعونه ، وأصله من القفا ؛ لأن المتبع للشخص غالبا يصير خلفه وتابعا لقفاه ، يقال : قفوته واقتفيته ، وقفيته ، أقفوه : إذا تتبعته وتبعت أثره. ف «قفيته» مقلوب من «قفوته» ، وبه سميت القافة ؛ لتتبعها الآثار والأشباه.
ينظر : عمدة الحفاظ (٣ / ٣٨٦).
(٤) الإباء : شدة الامتناع ، فهو أخص من مطلق الإباء ؛ إذ كل إباء امتناع من غير عكس. وبعضهم يقول : الامتناع ، ومراده ذلك ؛ لكونه في قوة النفي ساغ وقوع الاستثناء المفرغ بعده.
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ٥٦).