لأن ما يأتي به من الآيات والحجج يعرفون أنها سماوية ؛ لما عرفوا أنه لم يتعلم السحر ولا أخذوا عليه بكذب قط ولا جن قط بما كان منشؤه فيما بين أظهرهم.
وقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ). قيل : شديد عليه ما أعنتكم (١) ، أي : ما ضيق عليكم وضركم. وقال القتبي : العنت : الضيق. وقال بعضهم (٢) : العنت : الإثم ، أي : شديد عليه ما أثمتم. وقال أبو عوسجة : هو إلى الإثم أقرب. وهو يحتمل كل إثم : الكفر وغيره.
(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ). قال بعضهم (٣) : حريص على من لم يسلم أن يسلم ، وحريص عليكم بالهدى والرشد. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) : رحمة الدين والإسلام ، لا رحمة الطبع.
قال الشيخ أبو منصور ـ رحمهالله ـ في قوله : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) : سماه بفعله العمل الحسن وبرأفته ورحمته بذلك ، أي : استحق ذلك الاسم بفعله ، وإنما سماه بذلك ؛ لأن عمله كان لله لم يكن عمل لنفسه شيئا ، وكذلك ماله وأكسابه ؛ فلذلك لم يكن ماله ميراثا بين ورثته. وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ تَوَلَّوْا). أي : أعرضوا عن إجابتك ودعائك إياهم إلى الإيمان والتوحيد.
(فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ). أي : يكفيني الله لا إله إلا هو. ويحتمل قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : عنك ، وردّوا إجابتك والطاعة لك والانقياد وهمّوا أن يكيدوك ويمكروا بك ، (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) ، أي : على ما وعدني من النصر والظفر (تَوَكَّلْتُ) ، أي : اتكلت على وعده ووكلت أمري إليه (٤). ويحتمل قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : عن نصرك ومعونتك على الأعداء ، (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) في النصر والمعونة على الأعداء يكفيني عليهم. هذا في الموضع أقرب ؛ لأنه ذكر على أثر ذكر المنافقين ، ويحتمل ما ذكرنا من الإعراض عن التوحيد والإجابة. وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ). قيل : هو رب الملك العظيم ، أي : كل ملك عند ملكه صغير ليس بملك. فإن كان العرش هو السرير على ما قاله بعض أهل التأويل ـ والله أعلم ـ [فهو] السرير الذي يكرم به الأخيار من الخلائق والأبرار منهم ، وقد ذكرناه فيما تقدم (٥) ، والله أعلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
__________________
ـ [النحل : ١٦] فأخبر الله سبحانه وتعالى أن النجوم طرق لمعرفة الأوقات والمسالك ، ولولاها لم يهتد النائي عن الكعبة إلى استقبالها ، روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : (تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق ، ثم أمسكوا) وروي عن طاوس ، عن ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد ، وينظرون في النجوم قال : ما أدري من فعل ذلك له عند الله من خلاق.
ينظر : شرح السنة (٦ / ٢٧٥ ـ ٢٧٨).
(١) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٢٩) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.
وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٣٤٢).
(٢) ذكره بمعناه أبو حيان في البحر (٥ / ١٢١) ونسبه للضحاك.
(٣) أخرجه ابن جرير ٦ / ٥٢٣ (١٧٥٢٥) عن قتادة.
وذكره بمعناه البغوي في تفسيره (٢ / ٣٤٢).
(٤) في أ : إلى الله.
(٥) في سورة الأعراف آية (٥٤).