كانوا فيما ذكر عزوجل من المهاجرين والأنصار.
ثم أخبر أن الله راض عنهم ، وأنهم راضون عنه ، دل أنهم كانوا على حق وصواب من الأمر ، وأن من وصفهم بالظلم والتعدي هو الظالم. والمتعدي : واضع الشيء غير موضعه.
وفيه [دلالة](١) جواز تقليد الصحابة والاتباع [لهم](٢) والاقتداء بهم ؛ لأنه مدح ـ عزوجل ـ من اتبع المهاجرين والأنصار بقوله : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) ، ثم أخبر عن جملتهم أن الله راض عنهم [دل](٣) ـ والله أعلم ـ أن التقليد لهم لازم ، والاقتداء بهم واجب ، وإذا أخبروا بخبر أو حدثوا بحديث يجب العمل به ، ولا يسع تركه (٤) ، والله أعلم بذلك.
قوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٠٢)
وقوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ).
أخبر أن من حولهم من الأعراب ومن أهل المدينة ـ أيضا ـ منافقون مردوا على النفاق ، [فقال بعضهم : المرد في الشيء : هو النهاية في الشرّ.
وقال بعضهم (٥) : (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ)](٦) ، أي : ثبتوا عليه وداموا.
__________________
ـ وتزايده فيما بعد إلى أن ينتهي إلى الهجنة ويذهب منه التمييز بتعدد الإضافات وكثرتها فلا يعرف صاحبه ، فكانوا يعدلون عن هذا اللقب إلى غيره من الألقاب التي تناسبه ويدعى بها مثله ، واتفق أن بعض الصحابة دعا عمر ـ رضي الله عنه ـ بلقب أمير المؤمنين ، فاستحسنه الناس واستخفوه وصاروا يدعونه به وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا يشاركهم فيها أحد سواهم.
ينظر : مقدمة ابن خلدون ص (١٨٩).
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) حكم الحديث الصحيح أنه مقبول وحجة ويجب العمل به ، ووجوب العمل بالخبر الواحد الصحيح هو مذهب جمهور العلماء قديما وحديثا خلافا للمعتزلة والرافضة وأشباههم فإنهم أنكروا وجوب العمل بخبر الواحد ، وقولهم باطل لإجماع الصحابة والتابعين على وجوب العمل بأخبار الآحاد بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد العدل وعملهم به في الوقائع المختلفة ، وقد تكرر ذلك وشاع وذاع بينهم من غير نكير ولا معارضة ولو أنكر أحد عليهم لنقل ذلك إلينا وأني هو؟ وهذا يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح.
ينظر : محاضرات في علوم الحديث محمد شوقي ص (١٣٦).
(٥) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ٤٥٦) (١٧١٣٤) عن ابن زيد وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٨٦) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن زيد.
(٦) سقط في ب.