مسح رأسه ثم أزال شعره ، لم يسقط عنه حكم المسح ، وإذا مسح على لحيته ثم سقطت زال عنه حكمه (١) ، ولزم غسل ذقنه ؛ لما سمى الشعر رأسا ، وسمى اللحية لحية ، وسقوطها يسقط حكم المسح ، وسقوط شعر الرأس لا. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي).
خرج هذا صلة قول موسى لهارون لما قال له : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه : ٩٢ ـ ٩٣] ، فقال عند ذلك : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي).
قال بعضهم : إنما خصّ أخاه بسؤال المغفرة ؛ لأنهم جميعا قد عبدوا العجل سوى أخيه هارون ؛ لذلك خصّه بسؤال المغفرة.
وقال بعضهم : إنما قال ذلك جوابا عما قال هارون : (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ...) الآية.
ويحتمل أن يكون تخصيص السؤال له بالمغفرة لما سأل ربه أن يجعل هارون له وزيرا بقوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه : ٢٩ ـ ٣٢] ، لما سأل ربه أن يشركه في أمره ، ويشد به أزره (٢) ، فعلى ذلك خصّه بسؤال المغفرة. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
لأن كل من يرحم دونه إنما يرحم برحمته.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ).
أي : عبدوا العجل.
__________________
(١) قال في بدائع الصنائع (١ / ٣٣) : من توضأ ثم جز شعره أو قلم ظفره أو قص شاربه أو نتف إبطه لم يجب عليه إيصال الماء إلى ذلك الموضع عند عامة العلماء.
(٢) الأزر : القوة الشديدة ، قال تعالى : اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [طه : ٣١] أي : قوني به. وآزرته : قويته ، قال : فَآزَرَهُ [الفتح : ٢٩] قواه. وتأزر النبت : طال وقوي ، وعليه قوله :
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه |
|
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا |
وأزرت البناء وآزرته : قويت أسه ، وأصل ذلك من شد الإزار وتقويته ؛ يقال : إزار وإزارة ومئزر ، ومنه تسمية المرأة : إزارا ، كقوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ)[البقرة : ١٨٧]. وفي الحديث : «لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا» وفلان طاهر الإزار ، يكنى به عن ذلك أو عن عقبه.
وقال آخر :
ألا أبلغ أبا حفص رسولا |
|
فدى لك من أخي ثقة إزاري |
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ٩٥ ، ٩٦) ، واللسان (أزر) ، والنهاية (١ / ٤٥).