واتخاذكم له إلها ، وقد سمى الله تعالى العذاب في غير موضع من القرآن : أمرا ؛ كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ).
قال أكثر أهل التأويل (١) : ألقى الألواح ، أي : طرحها على الأرض غضبا منه ، فوقع منها كذا وكذا ، وبقي كذا ، لكن لا يجوز أن يفهم من قوله : (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) طرحها لا غير ؛ ألا ترى أنه قال : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) [النحل : ١٥] ليس يفهم منه الطرح والإلقاء ، ولكن (٢) إنما فهم منه الوضع ، فعلى ذلك قوله : (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) أي : وضع (٣) ؛ لأنه أخذ رأسه ولحيته ، أعني : رأس أخيه هارون ، ولا سبيل له إلى أن يأخذ رأسه ولحيته والألواح في يديه ، فوضعها على الأرض ، ثم أخذ رأسه ولحيته يجرّه إليه ، على ما ذكر في سورة طه ؛ حيث قال : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [طه : ٩٤] ، دل هذا أنه كان أخذ رأسه ولحيته جميعا لشدة غضبه لله على صنيع قومه.
وفي الآية دلالة العمل بالاجتهاد ؛ لأنه قال : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [طه : ٩٤] ، ولا يحتمل أن يكون موسى يأخذ رأسه بالوحي لأمر من الله ، ثم يقول له هارون : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي (٤) ، ولا تفعل كذا.
وفيه أيضا : أن هارون لما قال له : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ) [طه : ٩٤] إنما قال ذلك بالاجتهاد ؛ حيث قال : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [طه : ٩٤] ؛ لأنه لو كان يقول له بالوحي أو بالأمر ، لم يكن ليعتذر إليه بقوله فلا تشمت بي الأعداء.
وقوله : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ).
فيه دلالة أنه إنما أخذ شعر رأسه ؛ لأنه لو كان أخذ رأسه ، لكان لا يحتاج إلى أن يجره إليه ؛ دل أنه كان أخذ بشعر رأسه.
وكذلك قوله : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [طه : ٩٤] فيه دلالة لأصحابنا أن من (٥)
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٦٨) (١٥١٥٠) عن مجاهد وسعيد بن جبير بنحوه ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٣٥) وعزاه لأبي نعيم في الحلية عنهما ، وعزاه أيضا لأبي عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.
(٢) في ب : لكن.
(٣) في أ : وضعه.
(٤) في ب : بكذا.
(٥) في أ : فيمن.