وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) والأسف : هو النهاية في الحزن والغضب ؛ كقوله : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ٨٤] هو النهاية في الحزن والأسف في موضع الغضب ، وكقوله : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف : ٥٥] أي : أغضبونا ، لكن الغضب يكون على من دونه ، والأسف والحزن على من فوقه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (غَضْبانَ) أي : لله على قومه لعبادتهم العجل ، وتركهم عبادة الله حزنا على قومه لما يلحقهم بعبادتهم العجل من العقوبة ، وهكذا الواجب على من رأى المنكر أنه يغضب لله على مرتكب ذلك المنكر لمعاينته (١) المنكر ، ويأسف عليه لما يلحقه من العقوبة والهلاك ؛ رحمة منه له ورأفة ، ويلزم الشكر لربه ؛ لما عصمه عن مثله ، وكذلك وصف رسوله ـ عليهالسلام ـ بالأسف والحزن لتكذيبهم إياه حتى كادت نفسه تهلك حزنا عليهم ؛ حيث قال : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] ، وقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ذكر هذه القصة لنا ؛ لنعرف : أن كيف نعامل أهل المناكير (٢) وقت ارتكابهم المنكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي).
يخرج هذا على وجهين :
أحدهما : بئسما خلفتموني : بئس ما اخترتم من عبادتكم العجل على عبادة الله.
والثاني : بئسما خلفتموني باتباعكم السامري (٣) إلى ما دعاكم إليه بعد اتباعكم إياي وأخي رسول الله وما أمركم به ودعاكم إلى عبادة الله. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) اختلف فيه :
قال بعضهم (٤) : أعجلتم ميعاد ربكم ؛ كقوله : (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) [طه : ٨٦] ، أي : أعجلتم الوعد الحسن الذي وعد لكم ربكم ، وهو قوله : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢].
وقال آخرون (٥) : [قوله](٦) : (أَمْرَ رَبِّكُمْ) أي : عذاب ربكم وغضبه بعبادتكم العجل
__________________
(١) في أ : لمعاينة.
(٢) في أ : المناكر.
(٣) والسامري في لغة العرب ، بمعنى : اليهودي. وقد قال بالظن من ادعى تسميته أو حاول تعيينه. وأما الطائفة السامرية الآن فهم فئة من اليهود في (نابلس) قليلة العدد تخالف بقية اليهود في جل عاداتها.
ينظر : تفسير القاسمي (١١ / ١٨٤).
(٤) انظر : تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٨٧).
(٥) انظر : تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٨٧).
(٦) سقط في ب.