فعل ذلك أسلم ألف رجل من المنافقين.
وروي أنه لم يصل عليه (١) ، فلا ندري كيف كان الأمر بعد أن جاء النهي عن الصلاة على المنافقين بقوله : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) ، سماهم فسقة ، واسم الكفر أقبح وأذمّ ، لكنهم جمعوا مع الكفر أنواع الفسق ؛ ليعلم أن اعتقادهم الكفر والمذهب الذي يذهبون إليه إنما اعتقدوا لهواهم ؛ إذ الفسق مما يحرمه كل [ذي](٢) مذهب ودين ، وكل يأنف (٣) عن الفسق ويتبرأ منه ، ولا كذلك الكفر ؛ لأن كل من آمن بشيء كفر بضده ، وأصل الفسق : هو الخروج عن الأمر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا).
قال بعضهم من أهل التأويل : إنه على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : ولا تعجبك أموالهم وأولادهم في الدنيا إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الآخرة.
وفيه نقض قول المعتزلة في الأصلح ، وقد ذكرنا الوجه الذي يدل على نقض قولهم فيما تقدم.
ويحتمل قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا) : وهو القتال والحروب التي أمروا بها ؛ [كقوله](٤) : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب : ٦١].
وهو التعذيب الذي ذكر ؛ لأنهم يصيرون (٥) مقتولين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ).
__________________
ـ مازن بن الأزد.
كانوا يقطنون المدينة مع الأوس ، وقد نشبت بينهما حروب طويلة أشهرها : بعاث ، وهو موضع على ليلتين من المدينة ، ففيه كانت الوقيعة. ويوم الدرك كان بينهما أيضا.
واقتتلت الأوس والخزرج قتالا شديدا ، فجمعت الأوس ، وحشدت بأحلافها ، ورأسوا عليهم أبا قيس بن الأسلت يومئذ ، فسار بهم حتى كان قريبا من مزاحم. وبلغ ذلك الخزرج ، فخرجوا يومئذ ، وعليهم سعد بن عبادة ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وقتلت بينهم قتلى كثيرة ، وكان الطول يومئذ للأوس.
وكانوا يحجون ، ويقفون مع الناس ، فإذا نفروا ، أتوا مناة ، فحلقوا رءوسهم عنده ، وأقاموا عنده ، لا يرون لحجهم تماما إلا بذلك.
ينظر : معجم قبائل العرب (١ / ٣٤٢) ، ومعجم البلدان (٤ / ٦٥٣) ، والأغاني (١٥ / ١٥٤ ـ ١٥٧) ، (١٩ / ٩٤ ، ٩٦ ، ١٠١ ، ١٠٦).
(١) أخرجه أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه عن أنس بنحوه كما في الدر المنثور للسيوطي (٣ / ٤٧٦).
(٢) سقط في أ.
(٣) يقال : أنف فلان من كذا : استنكف. ينظر عمدة الحفاظ (١ / ١٤٧) لسان العرب (١) (أنف).
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : يصيروا.