وفي قوله : (لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [طه : ٨٩] ذكر سفههم لعبادتهم شيئا لا يملك لهم ضرّا ولا نفعا.
وقوله : (اتَّخَذُوهُ) [أي : اتخذوه](١) إلها عبدوه ، (وَكانُوا ظالِمِينَ) في عبادتهم العجل ؛ لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها ، والألوهية في غير موضعها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) هذا حرف تستعمله العرب عند وقوع الندامة وحلولها ، وتأويله : لما رأوا أنهم قد ضلوا سقط في أيديهم ، أي : ندموا على ما كان منهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) أي : لئن لم يرحمنا ربنا ، ويوفقنا للهداية والعبادة له ، ويغفر لنا لما كان منا من العبادة للعجل ، والتفريط في العصيان (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).
ويحتمل قوله : (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) ابتداء طلب الرحمة والمغفرة ؛ كقوله : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ...) الآية [هود : ٩٠].
ويحتمل التجاوز لما كان منهم والعفو.
وفي قوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) بعد قوله : (لَهُ خُوارٌ) دلالة أن الكلام هو ما يفهم منه المراد ليست الحروف نفسها ؛ لأنه أخبر أن له خوارا ، ثم أخبر أنه كان لا يكلمهم ، دل أن الصوت وإن كان ذا هجاء وحروف ليس بكلام ، وذلك يدل لأصحابنا في مسألة : إذا حلف ألا يكلم فلانا ، ثم خاطبه بشيء لا يفهم مراده أن ذلك ليس بكلام ، ولا يحنث (٢).
__________________
ـ فذهب الجمهور إلى أنه ليس حجة ولا يفيد العلية ، وهو مذهب الآمدي وابن الحاجب ، وحجتهم في ذلك : أن الطرد معناه وجود الحكم مع وجود الوصف ، وهذا معناه سلامة الوصف من النقض ، وهذا لا يدل على عليته ؛ لأنه مانع واحد وهذا لا يمنع وجود موانع أخرى غيره.
وذهب بعض العلماء ـ ومنهم الرازي والبيضاوي ـ إلى أنه حجة ويفيد العلية.
ومستندهم في ذلك : أن وجود الحكم مع الوصف في كل الصور ـ ما عدا صورة النزاع ـ يرجح كون الوصف علة ؛ لأن فرض المسألة عدم وجود علة للحكم غيره ، فإذا لم يجعل هذا الوصف علة للحكم لكان الحكم خاليا من العلة ، وبالتالي يخلو عن المصلحة ، وهذا خلاف المعروف من أن كل حكم لا يخلو عن مصلحة.
وإذا ثبتت عليته في غير المتنازع فيه ثبتت في المتنازع فيه كذلك ؛ إلحاقا بالكثير الغالب فيكون الظن مفيدا للعلية ، وهو المطلوب.
ينظر : دراسات في أصول الفقه (١١٦ ، ١١٧) والبحر المحيط للزركشي (٥ / ٢٤٨) ، والبرهان (٢ / ٧٨٨) ، وأحكام الآمدي (٣ / ٢٧٥) ، ونهاية السول (٤ / ١٣٥).
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر المبسوط (٩ / ٢٢).