قال بعض أهل التأويل : الآية نزلت في شأن رجل منافق قال يوما : والله ، لئن كان ما يقول محمد حقّا لنحن شر من الحمير. فسمع ذلك غلام وهو ربيب ذلك القائل ، فقال له : تب إلى الله. وجاء الغلام إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخبره ، فأرسل إليه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأتاه ، فجعل يحلف : ما قال ذلك ؛ فنزلت الآية فيه : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ...)(١).
لكن غير هذا كان أشبه ؛ لأن الآية : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) وقول الرجل : لئن كان ما يقول محمد حقّا لنحن شر من الحمير ـ هذا القول نفسه ليس هو كلام كفر ؛ إنما كلام ذمّ ، ذمّ به نفسه في الآية (يَحْلِفُونَ بِاللهِ) فهو قول جماعة.
وقيل : نزل في شأن عبد الله بن أبي ، قال أصحابه : فو الله ، ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : «سمّن كلبك يأكلك» ، وقال : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنافقون : ٨] ، فأخبر النبي بذلك ، فدعاه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله (٢).
ولكن يشبه أن تكون الآية صلة قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ...) الآية [التوبة : ٦٥]. كانوا يستهزءون بالله وبآياته وبرسوله ، والاستهزاء بذلك كفر ، أو أن قالوا قول كفر لم يبين الله لنا ذلك فلا أنهم قالوا كذا ؛ لما ليس لنا إلى معرفة ذلك القول الذي قالوه حاجة.
وقوله : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) :
يحتمل : كفروا بعد ما أسلموا إسلام تقيّة.
ويحتمل قوله بعد ما أظهروا الإسلام ، أي : رجعوا عما أظهروا من الإسلام.
وفي الآية دلالة أن الإسلام والإيمان واحد ؛ لأنه قال : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) وقال في آية أخرى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥] ، ثم قال : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) [آل عمران : ٨٦] ، وقال في آية أخرى : (كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) [آل عمران : ٩٠] ؛ فدل أن الإسلام والإيمان واحد.
وقوله : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا).
__________________
(١) أخرجه الطبري ٦ / ٤٢١ (١٦٩٨٢) و (١٦٩٨٣) عن هشام بن عروة عن أبيه ، وعن مجاهد (١٦٩٨٥) (١٦٩٨٦) (١٦٩٨٧) ، وذكر له السيوطي في الدار المنثور طرقا كثيرة فانظرها (٣ / ٤٦٣ ـ ٤٦٤).
(٢) أخرجه الطبري (١٦٩٨٩) ، (١٦٩٩٠) عن قتادة وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٦٤) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.