قال بعضهم : صورته كانت صورة عجل ، ولم يكن عجلا في جوهره.
وقيل : الجسد هو الذي لا تدبير له ، ولا تمييز ، ولا بيان ؛ لكنه ذكر فيه هنا ما لا يحتاج إلى هذا ، وهو قوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) لكنه كأنه قال : عجلا له جسد يذكر سفههم أنهم عبدوا من لا تدبير له ولا كلام ولا سبب للذي يغتر به أو دعاء ، واختاروا ، الهيئة (١) من وصفه ما ذكر.
وقوله : (لَهُ خُوارٌ) قيل (٢) : إن السامري قد أخذ قبضة من أثر الرسول ، فألقى تلك القبضة في الحلي الذي ألقوه في النار ؛ فصار شبه عجل له خوار.
وقال بعضهم (٣) : صاغ من حليهم عجلا ؛ فنفخ فيه من تلك القبضة فخار خوارا.
وقال بعضهم : إن السامري كان هيأ ذلك العجل الذي اتخذه بحال حتى إذا مسه وحركه : خار.
وقال بعضهم (٤) : كان وضع في مهب الريح فيدخل الريح في دبره ، ويخرج من فيه ، فعند ذلك يخور. والله أعلم.
وقوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً).
[ذكر أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا](٥) ، وفي سورة طه : (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [طه : ٨٩] ليس فيه أنه إن كان يكلمهم أو يملك لهم ضرّا ونفعا (٦) يجوز أن يعبد ؛ ليعلم أن ذكر حظر الحكم في حال لا يوجب إباحة ذلك في حال أخرى.
وفيه : أن امتناع العلة عن اطرادها يوجب نقضها ، وإن كان اطرادها في الابتداء في معلولاتها لم يدل على صحتها (٧).
__________________
(١) في أ : أو دعا واختار ، والهيئة.
(٢) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٣٤) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد بنحوه. وذكره أبو حيان في البحر (٤ / ٣٩٠) ، وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٢٠١).
(٣) أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة بنحوه كما في الدر المنثور (٣ / ٢٣٤).
(٤) انظر : تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦).
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : ولا نفعا.
(٧) من الطرق الدالة على العلّيّة : الطرد ، وهو مصدر بمعنى الاطراد ، ومعناه : ثبوت الحكم مع وجود الوصف الذي لم يعلم كونه مناسبا ولا مستلزما للمناسب في جميع الصور ما عدا الصورة المتنازع فيها.
ومثال ذلك قول الشافعي : الخل مائع لا تبنى على جنسه القنطرة فلا تزال به النجاسة كالدهن ، فكون الدهن مائعا لا تبنى عليه قنطرة ، لا مناسبة بينه وبين عدم إزالة النجاسة ؛ فهو وصف طردي وجد عدم إزالة النجاسة به عنده ، وقد اختلف العلماء في إفادته العلية : ـ