وأهل الكفر يدينون ـ أيضا ـ بدين ويتناصرون به ، ويعاون (١) بعضهم بعضا ؛ فصار لكل واحد من الفريقين موالاة فيما بينهم : موالاة الدين.
وأما المنافقون : فإنه لا دين لهم يدينون به ، ولا مذهب ينتحلونه ، ولا يناصر بعضهم بعضا ، ولا يعاون بعضهم بعضا ، ولا يجري بينهم التناصر والتعاون ، فإنما هم عباد النعمة والسعة ، مالوا حيثما مالت النعمة والسعة فلا موالاة بينهم لما ذكرنا.
وفي قوله : (وَالْمُنافِقاتُ) دلالة أن من نافق بالتقليد لآخر [أو كفر بالتقليد لآخر](٢) أو نافق لا بتقليد ـ سواء في استيجاب الإثم والتعذيب في ذلك والوعيد ؛ لأن النساء هن أتباع وأهل تقليد للرجال ، ثم سوى بينهم وبين النساء في الوعيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ).
يحتمل قوله : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) ، أي : ما تنكره العقول ، وهو الشرك بالله والخلاف له.
(وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) ، أي : ينهون عما تعرفه العقول وتستحسنه ، وهو التوحيد لله والإيمان به ، ويدخل في ذلك كل خير وحسن ، وفي المنكر يدخل فيه الشرك وكل معصية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ).
من الإنفاق في سبيل الخير ، لكن يحتمل أن يكون على التمثيل لا على تحقيق قبض اليد ، ولكن على كف النفس ومنعها من الاشتغال بالخيرات وخوضها فيها وفي جميع الطاعات ، لكنه ذكر اليد ؛ لما بالأيدي يعمل بها ويكتسب الخيرات والسيئات ؛ كقوله : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) [آل عمران : ١٨١ ـ ١٨٢] ، وذلك مما لم تقدمه الأيدي ولا كسبت ؛ إنما ذلك كسب القلب ، لكنه ذكر اليد ؛ لما ذكرنا أنه باليد ما يقدم وبها يقبض في الشاهد ، وجائز أن يكون ما ذكر من قبض اليد كناية عن بخلهم وقلة إنفاقهم في الجهاد ؛ كقوله : (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) [التوبة : ٥٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ).
قيل : جعلوا الله ـ عزوجل ـ كالشيء المنسي لا يذكرونه أبدا ؛ فنسيهم ، أي : جعلهم كالمنسيين في الآخرة من رحمته لا ينالونها ويحتمل (نَسُوا اللهَ) ، أي : نسوا نعم الله التي
__________________
(١) في ب : يتعاون.
(٢) سقط في أ.